أصبحت الرياضة حاضراً صناعة، لذا لم تعد متابعتها مقتصرة فقط على الرياضيين، فهناك آخرون ليسوا في الوسط الرياضي، وأصحاب مسؤوليات ومهام بعيدة عن الرياضة، لكنهم يعشقونها ويتابعون تفاصيلها. تكشف البطولات الكبرى لكرة القدم عن التفاتة رجال السياسة والثقافة إلى ذلك المعشب الأخضر الجذاب، فيتحول رجال الصف الأول في البلدان مع المثقفين في لحظات إلى مشجعين من الدرجة الأولى في مدرجات الملاعب أو مهتمين خلف الشاشات الفضية. يحضر الكثير من الساسة والمثقفين إلى مدرجات الملاعب خلف منتخبات الوطن. «دنيا الرياضة» تكشف الوجه الكروي لغير الرياضيين، عبر زاوية «الخط الأبيض» التي تبحث عن رؤيتهم للرياضة، وتبحث عن المختصر الرياضي المفيد في حياتهم وضيفنا اليوم عضو مجلس الشورى السابق أستاذ علم المعلومات بجامعة الملك سعود الأستاذ الدكتور جبريل بن حسن العريشي.* هل ترى أن ثمة علاقة تجمع الرياضة بالثقافة حالياً؟ * بالتأكيد، فالرياضة بما تضطلع به من بناء للأجسام ورفع للياقة البدنية تعتبر من عوامل نشر الثقافة، إذ لا يتصور للثقافة أن تنتشر في مجتمع يعاني من الضعف البدني، إضافة إلى أنها تجمع بين المجتمعات الإنسانية حتى لو كان بينها خلافات سياسية، وتوفر أجواء السلم بين الشعوب، كما أنها تؤثر على الثقافة العامة بما يصاحبها من تبادل معرفي بين الأفراد الذين ينتمون لدول مختلفة، كما يستخدم الإعلام الرياضي في تعريف العالم بحضارة الشعوب وثقافاتها. الرياضة توفر أجواء السلم بين الشعوب.. وأناشد اللاعبين أن يكونوا قدوة حسنة البطاقة الحمراء لناشري التعصب.. والصفراء لمن ينالون من خصومهم عبر الإعلام * في ظل هذا القول كيف نتعامل مع الثقافة الرياضية على الوجه الأكمل؟ * لا نتعامل معها على أنها تختص بالرفاهية، الهواية، أو اللعبة التي نمارسها، ولكن على أساس أنها أحد العناصر التي باتت تشكل السلوك الإنساني بما تنطوي عليه من ثقافات تخصصية أخرى مثل الثقافة الصحية، التربوية، أو الاجتماعية، وينبغي الاهتمام بها على مستوى الأسرة، المدرسة والمجتمع، باعتبارها من مجالات التفاعل الاجتماعي التي تكون أساساً لزيادة الموارد وتنظيمها وتحسين مستوى الحياة والرفاه. * كيف ننمي الثقافة الرياضية التي تناسب مجتمعنا؟ * ينبغي أن يتم ذلك من خلال محاور عدة تمشي جنباً إلى جنب، فالإعلام الرياضي له دور أساسي في تغطية الفعاليات والأحداث الرياضية ويتابعه الملايين، ويمكن من خلاله تقديم المعلومات الصحيحة والآراء الهادفة بعيداً عن التعصب والكراهية، وتكرار الحديث عن السلوكيات الإيجابية وذم السلوكيات السلبية، واستضافة المحللين والخبراء الذين يتصفون بالمصداقية وعفة اللسان ليكونوا قدوة للمشاهدين، كما يمكن من خلاله رصد المتجاوزين وتضييق الخناق على من يخرج عن حدود اللياقة منهم. كما أن المدارس لها دور في نشر الرياضة المجتمعية بين الطلاب للمحافظة على صحتهم في أطر رياضية مجتمعية، ولرفع معدل لياقتهم وإرشادهم إلى النهج الصحيح للتميز الرياضي، لبناء شخصية طلابية مزودة بالمعرفة والانضباط السلوكي والثقافة الرياضية. * هل ترى أن التعصب الرياضي وصل مداه وبات الحوار المتزن غائباً؛ أم نعيش عكس ذلك حالياً؟ * التعصب الرياضي ليس مقتصراً علينا، فقد أصبح ظاهرة على مستوى العالم، وهناك دائماً دور للعقلاء الذين يروجون لثقافة الروح الرياضية، وكذلك دور أجهزة الإعلام التي ينبغي أن تبرز التصرفات الحضارية للفرق عند هزيمتها، فتبين كيف يتصافحون ويتبادلون الهدايا التذكارية، وتبتعد عن لقطات الشغب والجنون الجماهيري، وعن استضافة من يسعون إلى بث الفتنة ونشر التعصب. * في الرياضة يحصد الفائزون والمبدعون الكؤوس، فما الذي يقابل ذلك لدى المبدعين في المجالات الأخرى ثقافياً؟ * المبدعون في مجال الثقافة يحصدون الرضا عن الذات، فالعبرة في هذا الميدان ليست بكثرة المصفقين والمهللين، ولكن بالقيمة التي تضاف للمجتمع، إذ يقاس نجاحهم بحجم التأثير الذي يحدث نتيجة ما يبثونه من رسائل في كتاباتهم وآرائهم، والذي يقاس بدوره بمدى اهتمام الناس بفحوى هذه الرسائل. * كيف صارت لغة المال والاحتراف طاغية على الإبداع والإخلاص عند اللاعبين السعوديين؟ * لا يمكننا القول بذلك، فلغة المال والاحتراف هي توجه عالمي وليس خاصاً بالمملكة، ولم نرصد أنها قد أثرت على إبداع اللاعبين على مستوى العالم، فهي لغة تقوم على تحديد صارم لحقوق اللاعب وواجباته، ولو نظرنا إلى نظام الاحتراف الأوروبي لوجدنا أنه أفرز العديد من اللاعبين المبدعين. * كانت الرياضة للصحة والمتعة، والآن أصبحت للمال أكثر، ما الذي أفسد بياضها؟ * لا أرى ذلك، فلا تزال الرياضة للصحة والمتعة، فهذه حال الممارسين والمشجعين، حتى إن رؤية المملكة 2030 تتطلع إلى ارتفاع نسبة ممارسي الرياضة مرة على الأقل أسبوعياً من 13 إلى 40 في المئة، باعتبارها من متطلبات جودة الحياة. أما لغة المال فهي مقتصرة على محيط الأندية، المدربين، واللاعبين الذين يعملون في صناعة الرياضة ويحصدون مكاسب ضخمة من جيوب المشجعين الذين يبذلون أموالهم عن طيب خاطر ليحصلوا على متعة المشاهدة. o اللاعبون طريق لتكريس السلوك الحضاري في حياة النشء، بماذا تناشدهم؟ * يحتاج النشء دائماً إلى مثل أعلى أو رمز يقلدونه ويحذون حذوه، ويفرض شغفهم بكرة القدم، على اللاعبين والمشاهير على وجه الخصوص أن يقوموا بهذا الدور، لذا أناشدهم أن يكونوا قدوة حسنة سواء في التعامل مع المنافسين، أو في الالتزام الأخلاقي أو في أسلوب التعامل مع الإعلام والجمهور، فممارساتهم وتصريحاتهم باتت تحت مجهر الإعلام، ولعله من الملائم أن يتم توعيتهم بأنهم قد أصبحوا قدوة النشء في الداخل وسفراء الحضارة السعودية للعالم الخارجي. * بين مرتبات اللاعبين والمثقفين، من يغلب من؟ * الغلبة للاعبين بلا شك، فالمرتبات محكومة بالإيرادات، والشعبية الهائلة لكرة القدم تجعلها تحقق إيرادات خيالية، ومن ثم يحصل اللاعبون على مرتبات عالية، أما جمهور المثقفين فهم قلة، وبضاعتهم لا يقبل عليها إلا النخبة، ولذلك دخلهم ضعيف، ونستثني من ذلك مشاهير المثقفين الذين يتم دعوتهم باستمرار للمشاركة في المؤتمرات المهمة أو الأعمال الاستشارية، أو يحصلون على تعاقدات لتأليف الكتب، أو المشاركة في المناظرات الشهيرة، أو في أبحاث يتم تمويلها من مؤسسات بحثية، ومع كل ذلك فإن دخلهم لا يصل إلى واحد في المئة مما يتحصل عليه المشاهير من لاعبي كرة القدم. * في نظرك هل الرياضة تجمع أم تفرّق؟ ولماذا؟ * الرياضة أداة للتقارب بين الشعوب والمجتمعات وليست أداة للفرقة أو هكذا ينبغي أن تكون، فهي أداة لتنشيط الدبلوماسية الشعبية، ووسيلة لإبراز هوية الدول، فيمكن عن طريق الرياضة بناء صور ذهنية إيجابية عن المجتمعات، وإظهار حضارتها ومكانتها الإقليمية على المستوى العالمي، كما أن استضافة الفعاليات الرياضية العالمية تعزز من أواصر التفاهم بين شباب الدول المختلفة ، أما ما نراه اليوم من مظاهر الخصومة والعداء المصاحبة لكل مباراة فهو انحراف بالرياضة عن رسالتها، فلم تعد الرياضة إحدى القوى الناعمة التي تقرب بين الشعوب، ونحسب أن السبب الرئيس لزيادة مظاهر هذا التعصب الممقوت هو وسائل الإعلام الحديث التي تتم من خلالها عمليات الشحن الجماهيري قبل المباريات، والتلاسن وتبادل الشتائم بين مشجعي الفرق المتنافسة بعد انتهائها. * هل سبق أن أقدمت على عمل وكانت النتيجة «تسللاً» في لغة كرة القدم؟ * لا، إلا ما كان على سبيل الخطأ أو النسيان، فأنا أحرص دائماً على أن أكون واضحاً فيما أقول وأفعل، وعلى أن أتجنب بقدر استطاعتي ما أكره أن يطلع عليه الناس. * ما ناديك المفضل؟ * الأهلي، فأنا من مواليد جدة ونشأت فيها محباً لهذا الفريق. * «العقل السليم في الجسم السليم» عبارة نشأنا عليها على الرغم من خطئها؛ فكم من شخصية عبقرية لا تمتلك جسداً سليماً، باختصار نريد منك عبارة رياضية بديلة لجيل المستقبل؟ * الرياضة لا تبني شخصية الإنسان ولكنها تكشفها، وأضيف عبارة أخرى «الشدائد تكسر الضعفاء، وتدفع بالأقوياء لتحطيم الأرقام القياسية». * بمعيار النسبة المئوية ما نصيب الرياضة من اهتماماتك؟ * قرابة 70 في المئة. * أي الألوان تراه يشكل الغالبية السائدة في منزلك؟ * اللون الأبيض فهو يبعث على الإشراق. * هل قمت بزيارة للملاعب الرياضية؟ * نعم، زرتها كثيراً عندما كنت في مراحل الدراسة ثم قلّت زياراتي مع زيادة المسؤوليات، وأفضل الآن متابعة المباريات المهمة على شاشة التلفاز. * أي الملاعب السعودية بنظرك أكثر جاذبية للحضور؟ * مدينة الملك عبدالله الرياضية بجدة «الجوهرة المشعة»، وملعب جامعة الملك سعود، كما لا أنسى القديم الحديث إستاد الملك فهد الدولي، فهو تحفة معمارية تجمع بين الطابع العربي القديم والعمارة الحديثة. * البطاقة الحمراء في وجه من تشهرها؟ * في وجه كل من يتخذ موقعه في منظومة الرياضة منصة لنشر التعصب أو مطية لتحقيق مأرب شخصي على حساب الإبداع الرياضي. * ولمن توجه إنذار البطاقة الصفراء؟ * أوجهها لمن يعتلون منابر الإعلام الرياضي لينالوا من خصومهم ويؤلبوا عليهم بمكر وسخرية. * لو خيّرت أن تعمل في حقل الرياضة من أي أبوابها ستدخل؟ * من باب النقد الرياضي، فلعلي أصلح خللاً أو أرشد إلى صلاح. * هل دخول النساء للجانب الرياضي سيساهم في ارتفاع الثقافة لدينا؟ * النساء شقائق الرجال، ودخولهن للجانب الرياضي أمر ضروري، وهو يساهم في زيادة نشر الثقافة الرياضية بين شريحة تمثل نصف المجتمع. أ. د. جبريل العريشي عضو مجلس الشورى السابق مدينة الملك عبدالله الرياضية بجدة الأهلي