من يتابع الإعلام الغربي، لا سيما بعد أي اعتداء، يشعر أنه يكرس مفهوم الحرب الفكرية تجاه العرب، وفعلاً أجاد الإعلام الغربي بمهارة فائقة في تنمية العداء والكراهية للعالمين العربي والإسلامي من قبل الشعوب الغربية.. لا حديث اليوم في العالم سوى الإرهاب والصراع ما بين التطرف والاعتدال وقصة الغرب وموقفه من الأديان. قرب الثقافات من بعضها البعض في العصر الحديث، يجعل الحوار فيما بينها أكثر إلحاحاً من أي فترة تاريخية مرت بها البشرية. ويبدو أن الحاجة الآن وأكثر من أي وقت مضى إلى فكر فعال ذي بعد إنساني قادر على تجسير المسافات وردم الهوة التي ما لبثت أن تزداد اتساعاً بفعل الأحداث والصراعات. نحن بالتأكيد بأمس الحاجة إلى لحظة تأمل واسترخاء، تقوم على القراءة الهادئة العميقة بطريقة موضوعية لا محاباة فيها ولا تجن. ومن الطبيعي أن صفاء الذهن يقود إلى رؤية نافذة تتسم بالبحث في العلل والحفر في التراكمات. نحتاج إلى فتح النوافذ لطرد الفاسد من الهواء، ومن ثم علينا أن نحلم بعالم جديد حتى تتحقق ثقافة التسامح وهي ما فتئت أن ترنو إلى مناخات التعايش والسلام. فالأحداث الأخيرة وما رافقها وأعقبها من إفرازات، تساهم في تهشيم جسد التواصل الإنساني، وتعيد للأذهان إشكالية الصراع بين الحضارات الإنسانية، لتفرض نفسها على الساحة وكأنها صيرورة وهي ليست تطوراً في الزمن فحسب، بل إنها كما يعتقد هيغل قبل كل شيء هي تطور غير زمني يحدث داخل الأشياء والأفكار فيغيرها من حالة فقيرة ومجردة نسبياً إلى حالة أكثر غنى وموضوعية. من يتابع الإعلام الغربي، لا سيما بعد أي اعتداء، يشعر أنه يكرس مفهوم الحرب الفكرية تجاه العرب، وفعلاً أجاد الإعلام الغربي بمهارة فائقة في تنمية العداء والكراهية للعالمين العربي والإسلامي من قبل الشعوب الغربية، ولعل الأحداث التي تعرض لها بعض العرب في أميركا وبريطانيا دليل قاطع على قدرة الإعلام في التأثير على الفكر الاجتماعي الذي يعد مكملاً للواقع الاجتماعي. وهذه الحملات (الحرب النفسية) كما تقول إحدى الدراسات أكثر خطورة من الحرب التقليدية، وعزت ذلك إلى كونها تهدم الشخصية من الداخل، فضلاً على أنها حملات مُقنّعة فلا تظهر علنية ورأت أن إطلاق هذه الحملات، إنما يستهدف النيل من القيم والعقائد، وهز الإنسان العربي في شخصيته خاصة في ظل شعوره بالانعزال والخشية من الإهانة من المجتمعات الأخرى. على أي حال، أنا لست من أنصار (المؤامرة) غير أن الطرح يبقى مقبولاً إذا ما ارتهن إلى الموضوعية، وهو أحد عناصره بالطبع، وكنت قد لاحظت أن ثمة نزعة في بعض المقالات الغربية حول تضخيم ظاهرة (الإسلاموفوبيا) وهو الخطر من الدين الإسلامي الذي لوحظ زيادة معتنقيه بشكل لافت للنظر، وفي خضم كل هذا الاحتدام والتحليلات، كان لا بد من قراءة تقوم على التساؤل الذي هو من طبيعة العقل، ومن الطبيعي أن يستند إلى الاختلاف والتعددية واحتمالية الخطأ أو الصواب لا على اليقينية المطلقة أو المعصومية. وحتى يمكن الوصول إلى نتيجة دقيقة أو محاولة ذلك على أقل تقدير لا بد من النفاذ إلى كوامن الخلاف وفهم حصيلة الصراع السياسي والفكري والعقائدي، رغم اختلاف الميول والطرائق والوسائل ناهيك من تباين المصادر، لكن يفترض الاستناد إلى الحكم النيّر، وشتان ما بين المصداقية والافتعال الممجوج. وفي هذا السياق يتبادر إلى الذهن (صراع الحضارات) لا بد أن نستعرض نظريات (هنتنغتون وفوكوياما) منظري السياسة الأميركية التي ما برحت تشكل النظام العالمي، وهي القوة العظمى الوحيدة. ويبدو أن أهمية تلك الطروحات تأتي في وقت يدخل فيه العالم مرحلة جديدة، لكنها مرتبطة ارتباطاً عضوياً بما سبقها من أحداث وتراكمات مما زاد في تعميق الهوّة بين العالم الإسلامي والغرب. الملخص أو النتيجة التي يصل إليها الكاتبان هي نتيجة واحدة (ضرورة وأهمية سيادة الغرب)، فهنتنغتون يحذر من صراع الحضارات ويطالب بالتحالفات لتستمر هذه السيادة، بينما يدعو فوكوياما إلى عدم القلق لأن سيادة الغرب قد أصبحت نهائية (نهاية التاريخ) وأن التغيير سيتم لا محالة عاجلاً أم آجلاً، وما هي إلا مسألة وقت فقط. وقبل أن نقول إن التاريخ مفتوح لكل الاحتمالات، وإن الحضارات متعاقبة، علينا أن نطلع على النظريتين بالتفصيل وهو ما سنعرضه في مقالنا المقبل حتى نتبين أن التاريخ فعلاً لا ينتهي إلا بنهاية الإنسان ذاته.