مما قاله الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه: (من ادعى الإجماع فقد كذب) وللإمام الشافعي كذلك قول آخر بقليل من التفصيل: «لم يدع الإجماع، فيما سوى جمل الفرائض التي كُلفتها العامة، أحد من أصحاب رسول الله ﷺ، ولا التابعين، ولا القرن الذين من بعدهم، ولا القرن الذين يلونهم، ولا عالم علمته على ظهر الأرض، ولا أحد نسبته العامة إلى علم إلا حينا من الزمان». مثل هذه النصوص من الأئمة العدول تفتح المجال واسعاً للاجتهاد والنظر وتجعل المرء مستريحاً من عناء الجدل وتضارب الأقوال والآراء بين هذا الفقيه وذاك، ولهذا تشكلت عند العبد الفقير قناعة بعد بحث ونظر أنه لا إجماع بما دون أصول العقائد وأصول الشرائع أو كما أطلق عليها الإمام الشافعي (جمل الفرائض) وهي التي نستطيع أن نلخصها في حديث «إنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم» الذي رواه سيدنا عمر رضي الله عنه في الصحيحين. أما ما دون الأصول فقد وقع من الخلاف الشيء الكثير والإجماع فيها متعذر جداً بل يستحيل إلى حكم العدم. ولهذا وقع الخلاف «وهو طبيعي» حد أنك تجد للإمام أحمد مثلاً كما ينقل صاحب المغني سبعة أقوال مختلفة في مسألةٍ واحدة تعددت واختلفت وتباينت أقواله في أمكنة وأزمنة وظروف مختلفة حتى قال بعضهم إن الإمام أحمد في جُل إن لم يكن كل المسائل الفقهية تعددت الروايات عنه إلا ما ندر، وإن أوسع المذاهب في الروايات هو مذهب الإمام أحمد، وللإمام الشافعي كذلك «وهو شيخ الإمام أحمد» تجد له في المسألة الواحدة القولين والثلاثة وأكثر وكل قول ينقض الآخر وهذا جرى على سائر الأئمة وشيوخ الإسلام ولأسباب عدة لا يتسع المجال لذكرها فكيف ببقية جماعات الفقهاء في مختلف الأقطار والأمصار والعصور والأزمان، وحتى المحدثين اختلفوا في تصحيح وتضعيف الأحاديث واختلاف الطرق والأسانيد وفي الجرح والتعديل وميزان الرجال والطبقات والرواة فهذا الراوي ثقة ثبت عند بن معين وعند غيره ك ابن حجر أو المزّي تجده متروك الحديث وهكذا وحتى أهل الاختصاص في التفسير وسائر علوم السنة والقراءات وفروع العقيدة والأصول والتاريخ واللغة والنحو اختلفوا وتباينوا. أما الأصول المجمع عليها وهو الإجماع المتفق على حجيته والذي يُقال إن الإجماع فيه حجة والله أعلم فهو إجماع الأمة سلفاً وخلفاً سابقين ولاحقين متقدمين ومتأخرين على أصول الإيمان وأصول الشرائع وجمل الفرائض.