على أرض المملكة الكثير من أسماء المواضع التاريخية التي عبِقت برائحة التراث، فلا غرو في ذلك فهي موطن العُروبة ومهبط الوحي، وقِبلة المسلمين.. وتمثل محافظة بيشة أُنموذجاً حياً لهذا الإرث القديم حيث ما زالت باسمها ورسمها الذي عرفته العرب مُذ أيام الجاهلية فتغنى بها الشعراء وعرفها الملوك والأمراء ناهيك أنها عرين الأُسُود، وكُناس الظباء، ودحُو النَّعام، ومألف الساجعات ومن ذلك ما ذكره سيف بن ذي يَزن الحميري يصف جيشه ويشبهه بأُسْد بيشة الضارية فقال: ولقد سموتَ إلى الحبوشِ بعصبةٍ أبناء كُل غَضَنْفَر أسوارِ من كُل أبيض في الحروبِ كأنَّه أَسَدٌ " بِبِيْشَةٍ " شَابِك الأَظْفَارِ وقائل القصيدة سليل بيت من حِمْيَر ملك وشاعر من ملوك العرب القُدماء ودُهاتهم، وآخر ملوك اليمن، قال عن مجده شعراً: أنا سيف بن ذي يزن اليماني أجلُّ الخلق أسلافا وآصالا وقال فيه أحد الشعراء: يختال في زَرَدِ الحديد كأنه سَيْفُ بن ذِي يَزِنٍ لحمير قائدُ كُنيته أَبو مُرَّة ، إليه تنسب الرماح الأزَنيَّة أو اليَزَنيّة، قال عنه أبو عبيدة في الديباج إنه ثالث ثلاثة من مدركي الأوتار في الجاهلية، وقال عنه العسكري إنه أول من قال "مرحبا وأهلا"، وقال ابن حجر إنه أول من اتخذ أَسِنَّة الحديد، وقال ابن الأثير: هو الذي بَشَّر عبد المطلب بظهور رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- وصفاته، وأخبرنا أبي حنيفة الدينوري قصة ذهابه إلى قيصر ملك الروم وكذلك حربه للأحباش، وساق لنا ابن دُريد وتبعه أبي نعيم الأصبهاني خبر وفود العرب وأشرافها وشعرائها إليه لتهنئته بانتصاره على الأحباش وطردهم من أرض العرب، ومن ذلك الوفد وفد قريش وفيهم عبدالمطلب بن هشام جد الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقدموا عليه بصنعاء بعد مولد النبي -صلى الله عليه وسلم- بسنتين وهو في رأس قصر له يقال له غُمْدَان، وفي ذلك يقول أُميَّة بن أبي الصَّلت الثقفي في وفد ثقيف: اشرب هنيئاً عليك التاج مرتفقاً في رأس غُمْدَان داراً منك محلالاً قَصْرٌ بناهُ الطيرُ عنه أن تعالِيَهُ والطيرُ تنقضُّ إصعاداً وإسهالا لغوي، فصيح، استشهد أهل اللغة بكلامه ومن ذلك ما أورده الماوردي في كتابه أدب الدين: "من أُعجِبَ برأيه لم يُشاور، وَمَنْ استبدَّ برأيه كان من الصَّوَاب بعيدًا". مات بصنعاء "50 ق.ه" غِيلةً على يد خُدامة من الأحباش كما أشار ابن رشيق وعلى ضوء ذلك فهو من المغتالين ولقد فات ابن حبيب ذكره في كتابه الشهير أسماء المُغتالين. *باحث تاريخي