إنّ الجانب الخيري والتطوعي محور مهم في عملية التطوير للمجموعات العائلية، فالعوائل والبيوت التجارية تولي جوانب الإنفاق الخيري اهتماما كبيرا ودوافعهم في ذلك تختلف جذريا عن دوافع المتبرعين في مناطق أخرى من العالم، ففي أميركا وأوروبا تخصم أكثر التبرعات من الوعاء الضريبي الواجب على رجال الأعمال دفعه نظاما بخلاف التبرعات التي يقوم بها أصحاب الأموال في مجتمعنا فجلها مستقلة عن المستحقات النظامية لذلك فهي تدفع من منطلق تطوعي وديني بحت، وبالمقابل فإن تأثير إسهام العمل الخيري المجتمعي في الدول المشار إليها يتفوق كثيرا على إسهامات المتبرعين لدينا حيث يتميز العمل الخيري هناك بأنه مؤسسي بما يعزز استدامته بخلاف نموذج العمل الخيري لدينا الذي يحتاج إلى زيادة التحول من النموذج التقليدي إلى العمل المؤسسي. ومن المبشر أن منظومة العمل الخيري في المملكة تشهد تغيرا وتطورا مستمرا فأصبح بإمكان الشق الخيري والتطوعي في المجموعات العائلية من خلال الاستفادة من الفرص الجديدة التي تهيأت بفضل تطور أدوات الأعمال الخيرية وبيئتها التنظيمية والتشريعية أن تضاعف من تأثير أعمالها الخيرية وتعزز من استدامتها. ويطيب لي أن أشارككم نموذجا عمليا لعمل حقيقي يشرح ذلك؛ حيث سعدت الأسبوع الماضي بقبول دعوة كريمة وجهت لي من خلال عضويتي في مجموعة «عقال» من قبل هيئة «منشآت» لحضور فعالية «تحدي التمويل» الذي تنظمه مسرعة «إثمار» برعاية مؤسسة سليمان الراجحي الخيرية. أقيمت هذه الفعالية بمبدأ الشراكات فهيئة منشآت «الشريك الاستراتيجي» يوفر الدعم التنظيمي مع الجهات الحكومية والتمويلية ذات العلاقة، ومؤسسة سليمان الراجحي الخيرية راع رسمي للمناسبة يقدم مقابل هذه الرعاية إسهاما ماليا ومعنويا لإقامتها؛ وهناك المستثمرون الاجتماعيون المدعوون. في هذه الفعالية تم عرض ثمانية مشروعات اجتماعية يستحق كل مشروع منها مقالا مستقلا؛ فكل مشروع يقدم مقترحا جميلا لحل مشكلة ويسهم في بناء الإنسان ويعزز قيماً جميلة الأمر الذي يرفع من «جودة الحياة» وينهض بالمجتمع. وهذه المشروعات يقدمها شباب وأشرف على توجيه وإرشاد أصحاب المشروعات شباب أيضا والفئات المستهدفة من هذه المشروعات تشمل شريحة واسعة من المجتمع. والبعد النوعي في هذه المشروعات أنه تقدم وفق نموذج عمل ربحي بما يضمن لهذه المشروعات الاستدامة فهي مبادرات تتطلب الدعم في مرحلة التأسيس فقط ثم تقوم على نفسها بنفسها بعد ذلك. يقف خلف هذه الفعالية المميزة مجموعة عائلية كريمة خصصت من ثروتها عملا وقفيا هو «أوقاف العرادي الخيرية» التي تعود لعائلة العرادي الموقرة التي أسست منظومة الأوقاف لديها بحسب موقعها الإلكتروني منذ ثمانية أعوام، من أبرز سمات هذا العمل الوقفي التركيز على الاستدامة والعمل المؤسسي والإفادة من أفضل الممارسات الإدارية والإبداعية في اختيار وتبني المشروعات، مجلس النظارة للوقف يتكون من ستة أعضاء ثلاثة من العائلة وثلاثة من الأعضاء المستقلين، رؤية هذه الأوقاف ورسالتها المعلنة وأهدافها المكتوبة مميزة وريادية بحق وتظهر نقلة نوعية في الفكر العائلي في المملكة والتغير الإيجابي في أهمية العمل الخيري وطريقة تأسيسه وإدارته ومسرعة إثمار إحدى ثمرات هذا العمل. من خلال متابعتي لمسيرة ريادة الأعمال في المملكة منذ عشر سنوات أؤكد أن الحراك الذي حصل في الآونة الأخيرة في ريادة الأعمال أسهم بشكل كبير في قرب اكتمال عناصر منظومة ريادة الأعمال، خاصة مع تأسيس هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة وبدء تنفيذها لمهامها، وسنشهد بعون الله تدريجيا أثر اكتمال هذه المنظومة في زيادة عدد مشروعات ريادة الأعمال التجارية والخيرية ونجاحها وزيادة إسهامها في الناتج المحلي وصنع الوظائف وتطبيق أفضل الممارسات الإدارية والتقنية. إن المجموعات العائلية في المملكة التي خصصت موارد للأعمال الخيرية أو هي في طريقها إلى عمل ذلك أمام فرصة عظيمة لتبني مشروعات نوعية عظيمة الأثر في نفع المجتمع يمكن تنفيذها بشكل مهني واحترافي من خلال اختيار وبناء شراكات مناسبة مثل هذا النموذج الرائع الذي قامت به أوقاف العرادي وشركائها.