بعد عامين من مراسلة الصحف ظهر أول مقال (من هذه الزاوية) في صحيفة المدينة بتاريخ 7 أغسطس 1991.. كان بعنوان (انفجار سيبيريا) وكان عمري حينها 24 عاماً فقط. لم أستلم أي راتب طوال الستة أشهر التالية، رغم أنني كنت حينها عاطلاً عن العمل، ولكنني كنت سعيداً بظهور صورتي في صحيفة كبيرة. وبسرعة حققت الزاوية شعبية كبيرة بفضل بعدها عن السياسة والهموم المحلية وتركيزها على الغرائب والشؤون العالمية (خصوصاً أنها ظهرت قبل ظهور الإنترنت في السعودية بتسع سنوات).. وفي الرابع من يونيو 1999 أثبت استطلاع رأي نظمته الصحيفة أنها تعد ثاني أبرز عنصر جاذب للقراء (بعد الصفحات الرياضية) فقرر رئيس التحرير نقلها إلى الصفحة الأخيرة ومنحني راتباً قدره ألفا ريال.. في الشهر. وفي أغسطس 2000 تلقيت عرضاً من المرحوم الأستاذ تركي السديري للعمل في صحيفة الرياض.. وافقت فوراً، ولكن بشرطين، الأول؛ أن أكون حراً ولا أداوم في مقر الصحيفة، والثاني أن تظهر الزاوية في الصفحة الأخيرة كما في صحيفة المدينة.. قال بكل ثقة: مقالاتك أرسلها لنا بالإيميل، وزاويتك تناسب الطبيعة الخفيفة للصفحة الأخيرة.. لم يسألني كم راتبي ولكنه قال في نفس المكالمة: سنمنحك ثلاثة أضعاف راتبك في المدينة، ولكن الزاوية يجب أن تظهر بنفس العنوان في الرياض.. فرحت بالراتب، ولكنني كرهت الشرط الثاني لأن (حول العالم) كان عنواناً قديماً ومستهلكاً حتى في ذلك الوقت، ولم أختره بنفسي حين بدأت مغلوباً على أمري في صحيفة المدينة. ودون شك، كان انتقالي لصحيفة الرياض علامة فارقة في حياتي المهنية.. أول مقال فيها ظهر يوم الخميس 21 سبتمبر 2000 وكان بعنوان "فيروس يلتهم قارة".. وفي عام 2006 تم تفريغي لأصبح موظفاً رسمياً بكامل الامتيازات (وحدث ذلك متأخراً لأنني كنت أعمل حتى ذلك التاريخ مديراً للشؤون الإعلامية في إمارة المدينةالمنورة). كان الأستاذ تركي يؤمن بمبدأ تفريغ المواهب لقناعته بأنهم عماد أي صحيفة ناجحة.. منح الصحفيين والكتّاب ليس فقط وظائف ورواتب رسمية، بل وأيضاً أسهماً في مؤسسة اليمامة ضماناً لبقائهم فيها.. لم أطلب منه يوماً علاوة في الراتب، ولكنه كان يمنحني علاوات متقطعة كلما حضر مجلساً يشيد فيه الناس بزاوية حول العالم (حتى أصبحت قيمة مقالي اليومي في صحيفة الرياض، تساوي جميع مقالاتي خلال شهر في صحيفة المدينة). قبل أن يتراجع إقبال الناس على الصحف الورقية؛ عاشت زاوية حول العالم فترة تألق تؤكدها أعداد الزيارات والمشاهدات في موقع الرياض الإلكتروني.. خذ كمثال مقال (أين تستعيد محفظتك) الذي نشر بتاريخ (17 مايو 2010) وحقق 688,234 زيارة و764 رداً من القراء.. وفي عام 2008 نظم الموقع، بالتعاون مع وكالة الرياض للسياحة، جائزة للكتّاب الذين يتلقون أكثر عدد من الردود الشهرية، فنلت جميع التذاكر.. وحتى وقت قريب كان الموقع ينشر قائمة بالمواد "الأكثر مشاهدة" وكانت زاوية حول العالم تحتل المركز الأول في كافة أيام الأسبوع (ما عدا الأيام التي يفوز فيها الهلال على النصر). غير أنني بعد 28 عاماً لم أتوقف فيها عن الكتابة اليومية (حتى أثناء إجرائي لعمليتين جراحيتين ووفاة ابنتي الصغيرة) قررت اليوم إحالة الزاوية للتقاعد.. وتفريغ الكاتب للتأليف. تراجع الصحف الورقية ليس السبب الوحيد، ولكن لضيق المساحة سأخبركم في المقال المقبل بالمزيد.. وسيكون آخر مقال من زاوية حول العالم.