أبدت جمهورية الصين الشعبية انزعاجا من الموقف التركي الذي اتهم بكين بإساءة معاملة أقلية الويغور في مقاطعة شينغيانغ، واعتبرت الصين انتقادها في الأممالمتحدة تدخلا في شؤونها السيادية، على خلفية تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الأخيرة في اجتماع للأمم المتحدة. واعتبر أنقرة تحاول القفز على حالة التردي الاقتصادي والسياسي والتباعد مع واشنطن و «الأوروبي» محللون أن موقف تركيا المفاجئ يثير العديد من التساؤلات حول التوقيت الذي عبرت عنه أنقرة وهاجمت فيه الحكومة الصينية، فيما تقترب الانتخابات البلدية المزمعة في تركيا بنهاية الشهر الجاري، وأشار المحللون إلى أن السياسة الخارجية التركية تسعى لكسب المزيد من القوة الزائفة بمناطحة الدول الكبرى. وقالت د. نادية حلمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بني سويف المصرية والخبيرة في الشؤون السياسية الصينية، إن التصريحات التركية بشأن إقليم شينغيانغ الصيني تعد تصريحات غير مسؤولة وغير موضوعية من وجهة نظر الحكومة الصينية خاصة بعدما أبدت تركيا بعض الملاحظات حول سوء معاملة أقلية الويغور المسلمة، وخاصة أن هذا الانتقاد التركي الموجه للصين جاء قبل الافتتاح الرسمي للدورة السنوية لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ومن هنا فإن تركيا قد استغلت انعقاد المجلس لتوجيه انتقادات للصين بشأن معاملتها للمسلمين خاصة مع توالي الاتهامات التركية للصين بأنها قد أقامت عددا من معسكرات الاحتجاز للمسلمين في الصين، وأتى الرد الصيني موضحا حجم التهديد الذي تشكله حركة تركستان الشرقية الإسلامية للجانب الصيني، كما أن الصين أكدت بأن تركيا كانت أيضا ضحية للإرهاب والقوى الانفصالية، في الوقت ذاته أكدت الحكومة الصينية على سيادتها على أراضيها وعدم قبول التدخل في شؤونها الداخلية، وهو ما أكده سفير الصين لدى تركيا بأن مثل تلك الانتقادات التركية إلى الصين قد تضر العلاقات الاقتصادية والمشروعات بين البلدين، وأتت مطالبة تركيا للجانب الصيني باحترام حقوق الإنسان والحرية الدينية في الوقت الذي اعتبرت فيه حكومة بكين بأن معسكرات مسلمي شينغيانغ ما هي إلا منشآت لإعادة تعليمهم وتدريبهم وإدماج الأقلية المسلمة في المجتمع الصيني، ودعت الصين إلى الحوار والنهج البناء في التعامل بين الدول. وأوضحت حلمي أنه في الوقت ذاته فإن تركيا تتسم بتعدد قومياتها وأقلياتها وهذا قد أدى إلى بعض الضغوط والتحديات في بلد متعدد القوميات مثل تركيا وهناك أيضا بعض القوى الانفصالية التركية التي تطالب بالانفصال وعلى رأسها الأقلية الكردية التي عانت لفترات طويلة من تهميش حقوقها ومن هنا فإن تركيا أيضا تعاني من مظاهر العنصرية والتمييز العرقي في مجتمعها خاصة تجاه الأقليات العرقية مثل الأكراد واليهود والأرمن والآشوريين فضلا عن معاداة الشيعة والصوفيين والعلويين، وبالتالي تعاني من إشكالية كيفية إعادة دمج كل هذه القوميات والأقليات في المجتمع، وعلى الرغم من محاولات حزب العدالة والتنمية التركي الذي أتى إلى الحكم عام 2002م لإعادة الاعتبار لملف الأقليات تماشياً مع الأجندة الأوروبية لتركيا من أجل الانضمام للاتحاد الأوروبي إلا أن تركيا مازال ينقصها فتح ملف الحرية الدينية والإصلاح فيما يتعلق بحقوق الأقليات، ومازال لدى الجانب التركي الكثير من أجل تسوية الصراع مع الأكراد وحزب العمال الكردستاني المتمرد. وأشار د. كرم سعيد، الباحث المتخصص بالشأن التركي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة، إلى أن تركيا في وقت من الأوقات كانت تسعى إلى استيراد نظام دفاعي جوي وصاروخي من الصين، هذه الصفقة التي فشلت بعد تدخل أميركي ضاغط على أنقرة، لافتا إلى وجود علاقات اقتصادية قوية وجزءا كبيرا من واردات تركيا تأتي من الصين إضافة إلى توجه تركيا السياسي شرقاً في ظل توتر العلاقة مع الولاياتالمتحدة الأميركية والتباعد ما بين تركيا والاتحاد الأوروبي، وبالتالي فإن هذا الأمر يأتي في إطار سعي الرئيس التركي رجب أردوغان في ظل تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية إلى أكثر من الثلث وفي ظل حالة التراجع والتردي الاقتصادي الذي تشهده تركيا وهي مقدمة على انتخابات محلية في نهاية مارس الجاري، فإن الحديث عن الأقلية المسلمة في الصين والانتقادات التي وجهت مؤخراً للرئيس المصري هي كلها محاولة للقفز على حالة التردي الاقتصادي والسياسي الموجود في تركيا، وحالة الانقسام المجتمعي والتشظي السياسي في محاولة لضمان فوز الحزب في الانتخابات المحلية -وهي الأولى التي تجرى في ظل النظام الرئاسي- هذه الانتخابات مفصلية لأن السيطرة على القواعد المحلية مهمة بالنسبة لحزب العدالة والتنمية الذي يشهد نزيفاً في شعبيته في المدن الكبرى؛ أنقرة وإسطنبول وإزمير وبورصة وغيرها، خاصة بعد أن فقد في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في العام الماضي وما قبلها الاستحقاقات الدستورية بشأن تحويل البلاد إلى النظام الرئاسي في أبريل 2017م، وبالتالي استدعاء كل هذه القضايا الثانوية كالحديث عن الأقلية المسلمة في الصين هي محاولة لإعادة رسم صورة ذهنية مختلفة لحزب العدالة والتنمية قبيل الانتخابات. ويرى محمد حامد الخبير في العلاقات الدولية، أن الحديث عن أقلية الويغور شأن صيني داخلي بحت، ومن المعروف أن الكثير من أقلية الويغور الصينيين شاركوا مع القوقازيين في داعش والجماعات المسلحة في سورية، وبالتالي هناك ويغور شاركوا في العمليات الإرهابية في سورية، وهذا خط أحمر ترفض الصين أن يتحدث عنه أحد، بل تطالب تركيا بتسليم الويغور الذين عبروا الحدود من تركيا إلى سورية للهجوم عليها. واختتم حامد حديثه ل»الرياض» مؤكداً أن الموقف التركي يرجع إلى أنها تريد أن تكون راعية العالم الإسلامي أو المدافع الأول عن المسلمين في العالم، والسياسات الخارجية التركية تجد ضالتها في هذا الملف، فلذلك تتحدث عنه ليل نهار، وبالتأكيد تركيا تقامر بسياستها الخارجية مع دولة مهمة مثل الصين لديها فيتو في مجلس الأمن وشراكات اقتصادية حول العالم وفي منطقة المشرق العربي ولها موقف متميز في سورية وموقف في القضية الفلسطينية ومواقف عدة، وبالتأكيد الاشتباك التركي معها أمر غبي غير موفق على الإطلاق، ويندرج تحت الرغبة في الزعامة التي تسعى إليها «تركيا أردوغان» وأن تشتبك مع القوى الدولية مثل الصين وروسيا والولاياتالمتحدة للمزيد من لفت الانتباه بأنها دولة مؤثرة وباحثة عن دور في العالم، وتستخدم سياسات الاشتباك لكسب التأييد في الداخل.