شهد تاريخ المملكة عبر الخمسين عاماً الماضية نمواً اقتصادياً واستثمارياً بمعدلات كانت تزيد أو تقل وفق وضع الاقتصاد المحلي والدولي وتأثيرات أسعار النفط، ومرت المملكة بمنحنيات عديدة من الانخفاض والصعود في معدلات النمو الاقتصادي ولا شك أن المملكة كانت ولا زالت تحظى بمزايا نسبية عديدة لتحفيز النمو الاقتصادي وكان من أهمها عدم فرض الحكومة أي نوع من الضرائب على الاستثمارات أو الدخل في المملكة وهذا الأمر قد لا يكون موجوداً في أي من دول العالم الأخرى، وبالتالي أصبحت المملكة منافسة قوية لنمو الاستثمارات المحلية أو استقطاب الاستثمارات الخارجية. وتضمنت رؤية المملكة الطموحة لعام 2030، عدداً من سياسات التخصيص وتقليل الاعتماد في الدخل على النفط وبناء استراتيجيات مالية واقتصادية تعيد هيكلة القطاع الخاص وزيادة دوره في الدورة الاقتصادية مع تقليص التدخل الحكومي المباشر في التنمية الاقتصادية.. ومن ضمن هذه السياسات القرار الخاص بتطبيق حزمة من الرسوم البلدية على كافة الأنشطة التجارية وترك لوزارة الشؤون البلدية والقروية وضع اللوائح التنفيذية لتطبيق هذا القرار. والحقيقة أنني لا أشك أن صدور مثل هذا القرار كان له ما يبرره لدى صانع القرار إلا أنني أرى أن تطبيقات هذا القرار تحتاج لعناية خاصة ودراسات متعمقة من وزارة الشؤون البلدية والقروية لمعرفة الأثر الأقتصادي على كل نشاط على حدة وهنا نتحدث عن معادلة صعبة وخط حساس جداً بين رؤية الحكومة فى نمو بعض الاستثمارات التى ركزت عليها تلك الرؤية وبين استثمارات أخرى قد يكون السوق مغرقاً بها فيساعد فرض الرسوم على إعادة تنظيمها.. وبحكم خبرتي الطويلة والمتخصصة في المجال السياحي والفندقي بشكل خاص فسأتحدث هنا عن الأثر المتوقع لفرض الرسوم البلدية على القطاع الفندقي في المملكة. ومرة أخرى أنا لن أناقش المبدأ، ولكن التطبيقات، فالوزارة اعتمدت جدولاً للرسوم البلدية على القطاع الفندقي يعتمد على درجة التصنيف وعدد الوحدات وفي اعتقادي أن هذا سيضر كثيراً بهذا القطاع بل إنه سيعمل ضد الرؤية الطموحه التى أعلنها صاحب السمو الملكي ولى العهد نائب رئيس مجلس الوزراء مؤخراً عن التوجه لإقامة مدن سياحية متكاملة على البحر الأحمر وغيرها وهذا يدل على أن الرؤية وضعت القطاع السياحي في أعلى أولوياتها؛ وبالتالي فإن المفترض أن تساعد كل السياسات الأخرى على تحقيق هذا الهدف؛ وهنا أقول إن ربط هذه الرسوم بمحددين فقط هما: التصنيف وعدد الوحدات سيعيد صناعة الفندقة لأكثر من ست سنوات عندما كان المستثمر لا يهتم أصلاً بدرجة تصنيفه ومن ثم لا يهتم بجودة خدماته. لقد سعت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني ومنذ توليها مسؤولية الإشراف على قطاع الإيواء السياحي إلى تطوير هذه الصناعة ورفع مستوى الخدمات من خلال إصدار أنظمة تصنيف عالمية وتحفيز المستثمرين لتطوير منشآتهم لتحقيق درجات أعلى في التصنيف كما عملت على استقطاب كافة شركات التشغيل العالمية لتشغيل منشآت فندقية مشاركة مع الملاك السعوديين لتلك المنشآت. الصناعة الفندقية من الصناعات الحساسة جداً والتى تعتمد بشكل مباشر وتتأثر بشكل أسرع من أي قطاع آخر بمتغيرات السوق فهي تعتمد على الإجازات والمواسم وتغير الأجواء ووجود الفعاليات والجوانب الأمنية والاجتماعية لأنها تعتمد في الأصل على التدفقات السياحية لأي وجهة وليس على القوة الشرائية لساكني هذه الوجهه وبالتالي قد تجد منشأتين داخل المملكة تحملان نفس درجة التصنيف وفيهما نفس عدد الوحدات وفارق العائد على المستثمر بين المنشآتين عال جداً، وهذا يتضح مثلاً لو أخذنا فندق خمس نجوم في الرياض مقارنة مع فندق خمس نجوم في الطائف فيهما نفس عدد الوحدات وبالتالي عندما تفرض عليهما البلدية نفس الرسوم فقد انتفت العداله أولاً ثم إن المحصلة النهائية أن المنشأة الموجودة في الطائف قد تسعى لتخفيض تصنيفها إلى ثلاث نجوم مثلاً لتقليل هذه الرسوم وبالتالي سينخفض مستوى الخدمات وهذا ما قصدته في الأثر العكسي لتوجهات رؤية المملكة للقطاع السياحي. وقد يكون المثال أكثر وضوحاً وتأثراً إذا انتقلتا لنشاط الشقق الفندقية والشقق المفروشة لأن معظمها تدار بشركات أو أفراد سعوديين لن يكون لديهم أي تحفظ على طلب تخفيض تصنيفهم لتقليل الرسوم عليهم. وهنا فإنني أقترح على الزملاء في وزارة الشؤون البلدية والقروية أن يعيدوا النظر في آلية فرض الرسوم البلدية على المنشآت الفندقية بالتعاون مع الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني وهناك بدائل كثيرة قد تكون أكثر عدالة وتساعد على تحفيز الاستثمار والنمو في المجال الفندقي مثل أن تعتمد الرسوم على نسب الإشغال ومعدلات الأسعار خاصة أن مركز المعلومات السياحية في الهيئة (ماس) قادر على تقديم تلك المعلومات بشكل شهري أو سنوي لكافة المنشآت وفي كافة مدن ومحافظات المملكة.