عندما نتحدث عن المملكة ودورها كمنتج للطاقة ومحور سياسي استراتيجي في المنطقة، فإنه لا يمكن أن يتم التغاضي عن الدور الذي تلعبه كمورد للطاقة على المستوى العالمي، وهذا يجعلها ورقة رابحة أمام المتنافسين الدوليين.. في مسارات التحول الاستراتيجي سياسيا للدول تبرز خيارات متعددة للسياسات المفضلة في المستقبل، وهذه الخيارات يتم استثمارها وفقا للتحولات المطلوب تنفيذها، وكما ندرك أن العالم بكل دوله وتحديدا مع دخول القرن الحادي والعشرين يمر بتحول استراتيجي حاد، فأميركا مثلا تتجه نحو التنافس المباشر بينها وبين الدول العظمي في العالم مثل روسياوالصين، ولكن الخيار المتاح هنا أن هذا التنافس سيكون جذابا لكثير من الدول الراغبة في الاستجابة لميكانزمات سياسية جديدة، تتنبأ بصعود سريع لقوى دولية جديدة، وهذا ما تفعله الصينوروسيا والهند. روسيا التي اعتقد العالم نهايتها بعد عام 1991م، لم تكن كذلك، فالنمو التدريجي اقتصاديا وسياسيا لروسيا أعاد التفكير في أن العالم يمر بتحول استراتيجي واسع، تلعب فيه دول آسيوية مقبلة بقوة نحو ريادة العالم، فمثلث الصينوروسيا والهند، هو بالضبط ما يعنيه التحول الاستراتيجي بالنسبة للعالم كله، الذي يراقب تحولات المشهد السياسي الدولي. على الجانب الآخر، تتمسك السياسة الأميركية من أجل التوازن بين متطلباتها في آسيا ومصالحها في أوروبا، وتواجه أميركا اليوم فعليا تحديات جديدة في الشرق الأوسط مع دخول منافسة قوية من الدول الصاعدة في الطرف الآخر من العالم، وتشكل هذه التحديات نموذجا مهما بالنسبة لأميركا التي تعيد تقييم مصالحها في الشرق الأوسط من جديد، وتذهب الإدارة الأميركية الحالية إلى عمل متعجل في إدارة أزمات منطقة الشرق الأوسط بنغمة سياسية متسارعة للحلول، وهذا ما يجعل من المنطقة مهيأة لكي تشهد تحولات جذرية في سياساتها. الملخص البسيط لفكرة التحديات الجديدة التي تطرحها دول آسيا الصاعدة نحو العالم ترسخ أن هذا الصعود الدولي لدول آسيا أمر حيوي للعالم كله، ولا يمكن إيقافه، ولكن الفكرة الأهم أن دول الشرق الأوسط خاصة الدول الغنية بالطاقة ستظل لاعبا استراتيجيا في سياسات العالم الجديدة، فالتوازن الدولي والمصالح الاستراتيجية الدولية تدخل منعطفا مختلفا مع الصعود الجديد لدول آسيا القوية بجانب روسيا التي تنفصل بتاريخ مليء بالصراعات مع جيرانها الأوروبيين وأميركا. عندما نتحدث عن المملكة ودورها كمنتج للطاقة ومحور سياسي استراتيجي في المنطقة، فإنه لا يمكن أن يتم التغاضي عن الدور الذي تلعبه كمورد للطاقة على المستوى العالمي، وهذا يجعلها ورقة رابحة أمام المتنافسين الدوليين، لذلك لا يمكن إغفال أي اتجاه سياسي يمكن أن تذهب إليه المملكة وهي تستجيب تلقائيا للتحولات الدولية، فالمصالح الاستراتيجية السعودية تبقى على المحك في بناء علاقاتها الآسيوية، بجانب أهمية تأمين هذه المصالح، فالفرصة التي تتيحها التحولات الدولية لا بد من استثمارها، خاصة أن المملكة سوف تبقى ممولا رئيسا للطاقة في العالم عقودا مقبلة، فالمملكة عبر سياساتها الجديدة الهادفة إلى بناء دولة ومجتمع حيوي لم تعد تنظر إلى الواقع من خلال الفرصة التقليدية المتمثلة في تحصيل الموارد المالية، فالإنسان السعودي في التجربة السعودية الجديدة يدل على الخط الاستراتيجي الواضح، وهذا ما يجعل المصالح السعودية تخصص جزءا من تحولاتها الاستراتيجية ليشمل الإنسان السعودي وتنمية قدراته وتخصيص الجزء الأكبر من الاستثمار فيه. المملكة وآسيا وقد تكون أيضا روسيا إنما هي خيارات تخضع للتحولات الدولية فحتى أميركا وأوروبا تفكران في الاتجاه ذاته، هناك ثلاثة خيارات مهمة في آسيا ودولها الصاعدة تنمويا: أولا، هذه الدول سوف تظل لديها الرغبة المستمرة في الحصول على الطاقة من أكبر مصدريها. ثانيا، هذه الدول يستوطنها الإسلام تاريخيا، والمملكة الدولة المحورية بلا منازع في رعاية الإسلام ومقدساته. ثالثا، دول آسيا لديها الاستعداد لتقديم مسارات تنموية للاستثمار في الإنسان السعودي ونقل التقنية مهما كان شكلها والتدريب عليها. ومع كل ذلك، لا يمكن نظريا استبعاد أو تقليل الأهمية الاستراتيجية للشرق الأوسط بالنسبة لأميركا، ولكن الشرق الأوسط اليوم يتشكل بطريقة جديدة، تتطلب البناء التنموي والسياسي نحو مساحات جديدة، تخفف من الآثار التي تركها انتشار الإسلام السياسي في المنطقة، وكذلك الآثار التي تركها انهيار الدول التي شهدت ثورات وحروبا أهلية أسهمت في تدخلات جوهرية من دول مثل إيران. لم يعد العالم مساحة واحدة فقط تتكون من أميركا وأوروبا، فآسيا بدولها المتعددة، سواء تلك الحليفة للغرب أو غيرها، وروسيا كلها، ودول الشرق الأوسط تعيد ترتيب الأدوات والإمكانات السياسية ذاتها؛ للخوض في مرحلة التحولات الدولية، ومع أن أميركا لن تكون قادرة على مغادرة الشرق الأوسط أو حتى تخفيف علاقاتها مع حلفائها، إلا أن ذلك في المجال السياسي لن يكون مضمونا في ظل تعدد التأثيرات والخيارات التي تقدم في مواقع جديدة من العالم.