يمثّل مهرجان الملك عبدالعزيز للإبل، الذي تحتضن فعالياته قرية الإبل التي تقع شرقي مدينة الرياض في منطقة الصياهد الجنوبية للدهناء، تظاهرة تراثية ورياضية وثقافية تعد الأضخم من نوعها على مستوى العالم؛ سيما أن هذا المهرجان يحظى باهتمام رفيع المستوى؛ حيث يشرف حفله الختامي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين المشرف العام على النادي، بجانب قادة وزعماء دول خليجية، شهدت نسخته الثانية إقبالًا كبيرًا، وجذبت منافساته للمزايين والسباقات متابعة من داخل وخارج المملكة، عبر محطات التلفزة ومواقع التواصل الاجتماعي. ويهدف نادي الإبل من تنظيم مثل تلك المنافسات إلى إحياء تراث الآباء والأجداد، ورد بعض الدين الذي للإبل، تقديراً للإسهام الفريد الذي قدمته في حياة أمتينا العربية والإسلامية، إضافة إلى دعم مربيي الإبل مادياً ومعنوياً، وتشجيعهم على الاستمرارية في تربية الإبل، كما أن من أهدافه إطلاع الجيل الجديد على ثقافة تربية الإبل الفريدة التي تعد جزءا لا يتجزأ من التاريخ والموروث السعودي المجيد، ناهيك عن تقوية البناء الاجتماعي بين أبناء القبائل وبين الراعي والرعية. كما يهدف إلى رفع معنويات أهلها، وتحسين أوضاعهم، وإسعادهم، وإدخال البهجة على نفوسهم، وتشجيع أبناء المجتمع على اقتناء أطيب السلالات وأجودها، ناهيك عن توثيق روابط وأواصر الألفة بين مربيها حتى أصبحت في عصرنا هذا محط الأنظار، وملتقى الأفكار، لا يخلو مجلس من ذكرها، دخلها الصغار قبل الكبار، وفُتن بها رجال الأعمال، فأصبحوا بعد تدقيق الحسابات وضبط دفاتر القبض والصرف، يدفعون فيها الملايين ولا يبالون، سماها البعض - إن صحت العبارة - السحر الحلال؛ لأنها تسحر من دخلها، فتصبح أغلى من العيال، يأنس عندها، ولا يمل النظر إلى صورها، تزداد حلاوةً يوماً بعد يوم، وتكبر في عينه سنة بعد سنة، إن كان عندها نسي الهموم والآلام، وإن بعد عنها اغتم ولا نام، فهل يا كرام مر عليكم مثل هذا الحب النقي المروي بماء الورد والزعفران؟ وهل يحق لنا أن نلوم من دخل هذا المجال بعد هذا الكلام؟ أصبح الناس في عصرنا هذا يتسابقون عن البحث عن أي ناقة فيها ولو جزءا بسيطا من الصفات الكاملة للناقة الجميلة، ويخبرون عنها كبار مربيي الإبل الذين وضعوا جوائز قيمة لمن يرشدهم إلى ذلك، بل تعدى الأمر إلى أن كثيرا من الناس بدأ الآن يتخير ناقة جميلة ويأخذها لكي تلقح من جمل فيه صفات الفحل الجميل، قد يملكه أحد كبار مربيي الإبل المشهورين، لكي يحصل بعد سنوات قليلة على الإنتاج الذي قد يعود عليه بنفع وفائدة عظيمة. مزاينات الإبل لم تعد فقط منافسات رياضية تراثية، وإنما هي رقت إلى كونها مناسبات اجتماعية وملتقيات اقتصادية وثقافية وشعرية، يشارك فيها الأمراء والوزراء والمواطنون والخليجيون والعرب على اختلاف مستوياتهم. ينصب فيها مربو الإبل بيوت الشعر والخيام لتعطي الرمال الذهبية منظراً خلاباً، ليس هذا فحسب، وإنما هم يحافظون على تراث متأصل مرتبط بالشهامة والكرم. مربو الإبل يجتمعون في تلك الأيام، مع أبنائهم وأقاربهم وأبناء قبائلهم، والمعيار عندهم ليس الفوز فقط؛ لأنهم - في نظرهم - كلهم فائزون، وكلهم حصل على الجائزة وتشرف بإجابة الدعوة ومصافحة خادم الحرمين الشريفين، وتسلم الجائزة من يده الكريمة وهو أعلى وسام، إن حضرت مجالسهم وجدتها مجالس كرم وعز وشرف، فيها تُسرد القصص والحكم والقصائد والمواعظ والعبر، حتى أصبحت مزاينات الإبل مدرسة يتعلم فيها الأبناء من الآباء الكرم والإيثار والنخوة والرجولة والشجاعة والصبر والكفاح والولاء والانتماء وحب الوطن. يتطلع نادي الإبل إلى أن يتحول مهرجان الإبل إلى العالمية، مستفيدين من الدعم الحكومي السخي الذي يوليه المشرف على النادي، بوصفه رابطًا لتراث المملكة الضارب في عمق شبه الجزيرة العربية، الذي قلما تجد له مثيلاً في بلاد أخرى، ومهما تكلمنا عن رؤية النادي ممثلة في رئيسه النشط فلن نصل إلى مبتغاه. إن مهرجان الملك عبدالعزيز للإبل لم يعد حدثاً وطنياً فقط، بل اكتسب أبعاداً خليجية وعربية ودولية بتواصله واستمراره عاماً بعد عام برعاية من لدن خادم الحرمين الشريفين حفظه الله، وإشراف مباشر من المشرف العام على النادي سمو ولي عهده الأمين، والتفاف المواطنين حول هذا المهرجان النابع من تراثه وأرضه وتاريخه المجيد، واهتمامه بالحفاظ على الموروث الشعبي وربط الأصالة بالمعاصرة لإبراز الصورة المشرقة للمملكة والمكانة التي تليق بها، باعتبار ذلك إحدى الغايات التي يقوم عليها المهرجان، إضافة إلى ما يتضمنه من أنشطة وبرامج وفعاليات تضم مجالات النشاط الإنساني كافة في الثقافة والتراث والفنون والحياة الاجتماعية والعادات والتقاليد العربية الأصيلة. * عضو مجلس إدارة نادي الإبل