في هذه الأيام التي يتفيأ فيها السعوديون ظلال رؤية 2030 وإنجازاتها التي بدأت تتضح للعيان، خاصة في مجالات الثقافة والفنون، تم الإعلان عن جملة من الفعاليات الكبيرة التي جعلت المملكة عاصمة للفن ومنارة للإبداع في العالم العربي، بعد عقود من الجدب الفني الذي استغلته إمارة مارقة اسمها قطر. لسنوات كانت قطر تصرف ملايين الريالات وببذخ غير عادي على أمسيات فنية ورياضية وندوات دينية موجهة حصراً للجمهور السعودي، دون أن تتضح مبررات هذا الصرف الباذخ ولا غاياته المخبوءة، إلى أن جاءت مقاطعة الدول الداعية لمحاربة الإرهاب لتكشف أن الرياضة والفن والترفيه بشكل عام، لم تكن سوى وسائل استخدمتها هذه الإمارة الصغيرة للسيطرة على عقول السعوديين، وتمرير رسائل سياسية تخدم مشروعها الفوضوي. لقد دفعت قطر للفنان السعودي مبالغ فلكية لكي يغني في عاصمتها، واستوردت معه الجمهور من داخل السعودية أيضاً، وفتحت لهم الحفلات مجاناً دون أي مقابل، في مخالفة لمنطق السوق البسيط، مفضلة الخسارة المستمرة لأكثر من عشر سنوات دون أن تقدم أي تفسير منطقي لسلوكها الغريب، وبالمثل فعلت في الرياضة فدعمت النقاد والكتاب السعوديين بعقود احتكار كبيرة، كما دعمت دعاة ووعاظا سعوديين وأغدقت عليهم الأموال الطائلة، وكل ذلك من أجل هدف واحد هو استلاب عقل المواطن السعودي والتحكم فيه. هذا المشروع أصبح تاريخاً الآن، وذهب أدراج الرياح، بفضل القرار الحاسم بمقاطعة «تنظيم الحمدين» وتجفيف منابع الإرهاب، والحد من حملات التحريض والتجييش التي كان يقودها موالون لهذا التنظيم يرفضون أي فكرة تنموية طموحة في المملكة ويحشدون الرأي العام ضدها في سبيل حماية المشروع القطري وضمان استمرار ارتباط المواطن السعودي به. جاءت المقاطعة لتضع حداً لهذا الاستلاب وتقول بأن المملكة بدأت تأخذ بزمام أمرها بحزم وحسم وتوفر لأبنائها كل ما حرموا منه سابقاً لأسباب واهية. ورغم أن المملكة لم تكمل بعد عامها الثاني منذ أن تحركت في هذا الاتجاه، إلا أنها تمكنت، ليس فقط من إعادة العقل السعودي المستلب إلى بلاده، بل جعلت عواصم العرب تنظر إلى الرياض بوصفها منارة إشعاع ثقافي ملهمة، تؤثر في النخب وفي الشعوب العربية على حد سواء. لم يكن الظهور «الهولوغرامي» لأم كلثوم مجرد أمسية فنية عابرة لا تهمّ إلا من حضرها، بل حدثا ثقافيا استثنائيا جذب الجمهور العربي قاطبة، والمصري خاصة، وجعلهم ينظرون بكثير من الإعجاب نحو محافظة العُلا السعودية حيث يقع المهرجان الناجح «شتاء طنطورة»؛ وكذا بالنسبة لتكريم الفنان الكويتي القدير عبدالكريم عبدالقادر في ذات المهرجان،والذي وجد أصداء كبيرة في دول الخليج منذ لحظة الإعلان وقبل موعد الحفلة بأسابيع، وزاد من وهج الإشعاع كوكبة النجوم العرب والعالميين الذين توافدوا -أو سيتوافدون- على المدن السعودية خلال فترة قصيرة، من ماجدة الرومي وياني وبوتشيلّي إلى كاظم الساهر وأصالة وماريا كيري. هذا الحراك الفني القصير في عمره وزمنه، والكبير بزخمه وأصدائه وإشعاعه، أثبت مكانة المملكة وقدرتها الهائلة على التأثير الثقافي في محيطها العربي، وفضح حملات التحريض التي كانت تواجه أي مشروع تنموي في البلاد، خاصة في مجالات الإبداع الإنساني، والتي كانت تمنعها من القيام بدورها الطبيعي الذي يليق بحجمها في منطقة الشرق الأوسط. لقد تحرّك العملاق السعودي بكل ثقة فسحب البساط من «دوحة» الحمدين بوقت قياسي وبأقل الجهود، مع فارق جوهري هو أن صناعة الترفيه السعودية موجهة للداخل وليس الهدف منها سوى توفير حياة أجمل للمواطن السعودي، بلا خطط ولا مؤامرات ولا استهداف لشعوب أخرى. عبدالكريم عبدالقادر