حتى سنوات قريبة كانت محافظة العُلا مُهملةً وخارج حسابات التنمية؛ مجرد منطقة جبلية جرداء لا حظ لها ولا قيمة إلا في بعض الآثار المتناثرة هنا وهناك، إلى أن جاءت رؤية المملكة 2030 بإلهامٍ من مهندسها ولي العهد -حفظه الله- لتجعل هذه المحافظة في صلب اهتمام الدولة وتصبح خلال مدة وجيزة وجهة سياحية مهمة ليس للسياح من خارج المملكة فحسب بل أيضاً للمواطن السعودي الذي كان إلى وقت قريب لا يفكر سوى في وجهات عالمية محدودة. القدرة على تغيير الصورة الذهنية عن محافظة العُلا في مدة قصيرة ليس بالأمر اليسير، فضلاً عن جعلها وجهةً مألوفة ومحبوبة ومرغوبة في عقل الناس بجميع طبقاتهم؛ الصغير منهم والكبير، والسعودي والأجنبي على حد سواء، وهذا في عرف «الدعاية» وفن التسويق يعد إنجازاً خارقاً ولا يتأتّى بلوغه لأي أحد، لكن الكفاءة التي تمتع بها صاحب السمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان وزير الثقافة ومحافظ الهيئة الملكية لمحافظة العُلا، ذلّلت المستحيل وجعلته ممكناً، وارتقت بالعُلا لتصبح في غمضة عين مكاناً متوهجاً يتردد اسمه على كل لسان، بل تكاد تكون حالياً أشهر محافظة سعودية، خاصة بعد النجاحات المذهلة لمهرجان «شتاء طنطورة». لا يمكن فهم هذا الإنجاز إلا إذا تم ربطه برؤية المملكة 2030 التي وضعها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- وحدّد لها مدى زمنياً لابد من الالتزام به مهما بلغت التحديات، ففي هذا الإطار كان على محافظة العُلا أن تحتل موقعها اللائق في سجل التراث الحضاري، وتكون في الوقت ذاته وجهة سياحية، ومنارة إشعاع ثقافي، ورافداً مهماً للاقتصاد الوطني، وكل ذلك ضمن المدى الزمني المحدد سلفاً. وهذه تحديات كبيرة تمكّن الأمير الشاب محافظ الهيئة الملكية للعُلا من تحقيقها بجدارةٍ تستحق التقدير والإعجاب. منذ أن تسنّم الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان مسؤولية الهيئة الملكية لمحافظة العُلا في يونيو 2017 وهو يعمل على تهيئة هذه المحافظة العريقة لما ينتظرها من مشروعات حضارية كبيرة، من إنشاءات للبنية التحتية إلى ترميم لآثارها الشهيرة إلى تأمين متطلبات تحسين جودة الحياة، وصولاً إلى بناء المسارح والمراكز الثقافية. ثم جاء الأمر الملكي الكريم في يونيو 2018 بإنشاء وزارة الثقافة وتعيين الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان وزيراً لها ليعزز من عملية تأهيل محافظة العُلا ثقافياً وسياحياً، وكانت البداية مع «شتاء طنطورة» الذي لم يكمل بعد شهره الأول ومع ذلك فقد بلغ شهرة عالمية بنجاحات كبيرة تمتد إلى الخارج لترسم صورة حقيقية وإيجابية عن مملكة الخير والإنسانية في عهدها الجديد. إن قيمة مهرجان «شتاء طنطورة» تكمن في برمجته الذكية التي جعلته يمتد على مدى سبعة أسابيع، وفي كل أسبوع حفلة فنية يحييها فنان عالمي، وبين الحفلة والأخرى أصداء كبيرة في إعلام الدولة التي ينتسب لها كل فنان. وهذا دور دبلوماسي مهم وذكي يستثمر إمكانات المملكة الحضارية لتقديم الوجه الصحيح للمجتمع السعودي. يضاف إلى ذلك جمال اسم «طنطورة» الذي يوحي بالأصالة والحضارة والعمق على غرار مهرجانات عالمية شهيرة تنطلق من بعد حضاري وجذور راسخة في التاريخ. هذا النجاح الذي جعل أهداف رؤية 2030 ملموسة وظاهرة للعيان خلال فترة وجيزة، يزيد من التفاؤل بمستقبل مشرق لوزارة الثقافة تحديداً وبقدرتها على الارتقاء بالمشهد الثقافي السعودي إلى المستوى الذي يجعله مؤثراً على جميع المستويات المحلية والإقليمية والعالمية، وبالشكل الذي يحوّل هذا المجال الحيوي إلى قطاع منتج يخدم اقتصاد الوطن. والجهود التي بذلها الأمير بدر خلال الأشهر الستة الماضية بصفته وزيراً للثقافة تؤكد أن العمل يجري على قدمٍ وساق لتحقيق نجاحات تضاهي نجاحات الهيئة الملكية لمحافظة العُلا، فالأمير الوزير لم يدّخر جهداً في التواصل مع جميع المثقفين وعقد اللقاءات معهم، كما اطلع على ظروفهم وتعهد بتذليل جميع المعوقات التي تعترض طريق إبداعهم، وكل ذلك من أجل تهيئة المجال الثقافي السعودي وإعادة تأهيله ليكون مستعداً لتحقيق أهداف رؤية 2030، تماماً مثلما فعل في محافظة العُلا عندما جعلها علامة نجاح مذهلة في زمن قياسي.