قضية هروب البنات في السعودية، شيء يحدث في جل دول العالم بكثرة، ولا أعتقد أنها وصلت عندنا درجة القلق، فلا هي بلغت حدود الظاهرة، ولا المشكلة الاجتماعية، وهي تظل في نطاق الحالات الفردية، وتقع بأسباب نفسية، أو خلافات أسرية، وضمن تباينات مجتمعية، يمكن تلافيها بقدر من الوعي الأسري، ويقين بأن رعاية حبة الرمان (البنت)، مختلفة كلياً عن التعامل مع المراهق الذكر. في أسر كثيرة يتفاقم الخلاف بين الأسرة والابن المراهق، وقد يصل الأمر للضرب، وربما الطرد من المنزل، ولكنه لا يلبث أن يعود، حتى ولو بالقفز من فوق السور، بعد أن يلمس بذاته ماذا يوجد في الشارع، وكم استفاد من تجربة التعنيف والطرد، بكونها تجعله أكثر قوة وتقديراً لما في منزله. حبات الرمان، مختلفات عن ذلك، فالعاطفة لديهن شديدة، وخبرتهن بمغريات الحياة قليلة، وخسائرهن عظيمة في حال جربن الخروج للشارع، والتوهم بأن أحداً سيقف معهن لفترة طويلة، إلا لغرض في نفسه يستغله. الشاب النادم يعود وقشرته أكثر صلابة، أما حبة الرمان، فسرعان ما تتفسخ قشرتها الرقيقة، وتفقد نقاء مائها ونعومتها، بقسوة وخطورة الشارع، المؤدي إلى الجفاف والخوف والتحلل. الفتاة السعودية، نالت كثيراً من حقوقها خلال الرؤية، وهذا أمر عصري حضاري، وربما تنال في المستقبل أكثر من ذلك، وهذه تجارب جديدة على الفتاة، وعلى أهلها ومجتمعها، وتحتاج منا جميعاً إلى من يتفهم حقيقة ما يحدث لها، وإلى من يقف معها محبة وثقة، ومن يجعل ما تمر به من تطور أمراً عادياً، لا يكسر علاقاتها بقلب واحترام أمها، ولا يبعدها عن عقل وعطف أبيها ورعايته، ولا يحرمها من صداقة وحماية وتقدير وثقة إخوتها وأخواتها. منظومة الأسرة السعودية جميلة حميمة، وتحتاج منا إلى سعة أفق أبعد، وإلى احتواء عاطفي، وتجديد أواصر عرى المحبة والثقة والحوار، واليقين التام أن حبة الرمان عزيزة كريمة مصانة، لا تخرج عن أطوار أسرتها، طالما أنها أسرة متفاهمة، لا يتعاملون معها وكأنها رجس من الشيطان، ولا أنها ناقصة عقل، ولا أنها خطر على سمعة وشرف الأسرة. الشك قاتل، ونزع الثقة مشتت، وتحقير الأنثى لا يمكن أن يخلق علاقات أسرية متماسكة مثالية. حبات الرمان تحتاج لكثير من الحب وتمكين الثقة بالذات، ومعالجة سريعة ذكية حريصة لكل ما يستجد حول الابنة، التي تنعم بالستر والحب، ولا تجد نفسها وحيدة في مقابل التغييرات في العلاقات الأسرية. عندما تهرب الفتاة من منزلها الأسري، فهذا يعني فشل جميع أفراد الأسرة في تلافي وقوع ذلك، واللوم لا يمكن أن يخصها منفردة. استحدثت على مجتمعنا حمى جنون الحرية والتفسخ، وكثرة من يغررون ويحتالون، ولا بد من وقاية أفراد أسرنا بالوعي والحب الحقيقي، والثقة والدعم، المؤدي لحفظ حبات رماننا، في حرز مكين.