منذ أن تحوّل العالم إلى قرية كونية صغيرة بفضل ما تنتجه عقول وشركات التقنية والاتصال العالمية من شبكات ووسائط ووسائل حديثة سيطرت على كل مفاصل/ تفاصيل حياتنا، الصغيرة والكبيرة، برزت على مشهد الحياة نخب وفئات جديدة هي من تقود الآن مزاج وفكر ووعي الأجيال البشرية، لا سيما الصغيرة والشابة. هذه النخب الجديدة التي قفزت فجأة إلى سطح المشهد اليومي بكل ملامحه ومعالمه، لم تتكئ -كما هو المعتاد- على علم أو معرفة أو ثقافة، وهي الأدوات الرصينة التي تحملها النخب وقادة الفكر وصنّاع التغيير، لكنها -أي تلك النخب الجديدة- تملك "سلاح التقنية الحديثة" الذي يُمثل قوة ناعمة كبرى، أشد قوة وخطورة وتأثيراً من كل تلك الأسلحة التقليدية الخشنة. مشاهير السوشيال ميديا هم النسخة الأحدث من "سلة النخب الجديدة" التي أصبحت واقعاً حقيقياً، يرسم ملامح حياتنا، بل ويوجه مسار أحلامنا، ولكن الأخطر من كل ذلك، أن يتحول هؤلاء "المشاهير" إلى قادة فكر وصنّاع ثقافة وعرّابي مرحلة. وهنا، لابد من نقطة نظام، أجدها في غاية الأهمية، وهي أن من حق هؤلاء المشاهير أو غيرهم، مهما كانت منطلقاتهم وثقافاتهم، أن يجدوا فرصتهم الكاملة للتعبير عن أفكارهم وطموحاتهم، وبالطرق والوسائل التي تتناسب مع قدراتهم وإمكاناتهم، فالأزمة التي نُعاني منها جميعاً، وهي أزمة مشاهير السوشيال ميديا، ليست مشكلتهم وحدهم، ولكنها أزمة فراغ وغياب وضعف طالت الكثير من نخبنا ومثقفينا، هذا فضلاً عن قطاعاتنا ومؤسساتنا المختلفة. منذ ما يزيد على ثلاثة عقود، وثمة واقع جديد يتشكّل في مشهدنا، وسط غياب واضح من قبل النخب والمؤسسات بمختلف الأشكال والمستويات، الأمر الذي أتاح الفرصة كاملة لبروز نخب جديدة تحمل فكراً مختلفاً، بل ومتمرداً على كل الألوان والأساليب التقليدية التي لم تعد قادرة على التكيف والتناغم مع المرحلة الجديدة التي يُسيطر عليها الآن صنّاع الوعي الإلكتروني. مشاهير السوشيال ميديا، واقع حتمي لمرحلة جديدة، تعيشها كل المجتمعات في كل العالم، مع الاختلاف والتباين طبعاً في النسب والتأثيرات، ولكنهم يُشكّلون "خط إنتاج" حديث لكل ملامح وتفاصيل حياة جديدة بكل ما تحمل من طموحات وتحديات، وبكل ما تُفرز من نخب ومكونات. مشاهير السوشيال ميديا، إحلال طبيعي لفراغ كبير تركته نخب تقليدية لم تستطع مجاراة التحولات والتطورات الكبرى التي هزّت وغربلت الكثير من الأفكار والقناعات، فتحولت هي إلى الظل، ليبزغ نجم هؤلاء المشاهير الجدد. كل الدعوات والصيحات التي تتعالى من أجل القضاء على مشاهير السوشيال ميديا، لن تجد صدى، فهم في تكاثر مضطرد وتأثير متسارع، ولكن الأجدى هو البحث دائماً عن بدائل وخيارات تملك نفس الأدوات والأساليب والأسلحة، ولكنها تحمل محتوى ومضموناً وأهدافاً حقيقية تُسهم في تنمية الفكر والوعي والمزاج المجتمعي الذي اختطفه هؤلاء المشاهير الحمقى.