خطوة موفّقة طال انتظارها، ولكن ما زلت مؤمنا بأننا في حاجة إلى تأهيل المنشآت والدارسين أكثر قبل خوضهم تجربة الفسلفة، فمتوسط مستوى الطلاب لا يرتقي للدخول في معمعة الفلسفة وتفاصيلها المعقدة. الأمر الآخر هو أن الفلسفة تثري العقول، وتنير الطريق للمتعلم، وتوسع مداركه العقلية، وتجعل من طريقة تفكيره أكثر نضجًا وعمقًا وقبولًا للاختلافات، ولا يخفى على أحدنا ما يعانيه بعض الأفراد من ضيق في الأفق ونبذ للمختلف.. إن أكثر أعداء الفلسفة هم أكثر الناس حميمية للتلقين، وخوفهم من كل فكر ناقد وباحث ومتسائل، لذلك لن تجد أحدا يحارب الفلسفة إلا وتجد عنده نزعة عدوانية تجاه تعددية الآراء، وحقدا دفينا لكل مختلف، لذلك ستندثر سلطوية الرأي الواحد. من يحارب الفلسفة فهو يحاربها؛ لأنه يضيق ذرعًا بالأشخاص الذين يسألون ويناقشون ويبحثون خارج الصندوق، وهو يقدس الطريقة القديمة العقيمة (التلقين)، مع العلم أن الإسلام كفل وشجع وندب إلى تحرير العقول من كل قيود التبعية المطلقة. وكم أخجل من (ضعيفي الإيمان بقوة دينهم) لا شيء يغالب ديننا إلا غلبه، ومادة الفلسفة لا تتعارض معه، بل هي من ركائزه؛ لأنه دين عميق الجذور في الأفكار والمعتقدات، وقابل للرد على كل معارضة فكرية، من يخافون على الدين من الفلسفة لم يدركوا بعد ماهية دينهم! ونخشى من أن تكون المادة منزوعة من مقاصدها ومعانيها وأسسها بدعوى إرضاء تيار أو فئة، بل يجب تركها كما هي دون نزعها من سياقاتها ومدلولاتها وغاياتها؛ لأنها لن تؤتي ثمارها عندما يتم تدريسها بطريقة مشوهة ومجتزأة. وليكن الشعار (اطردوا التلقين من جزيرة العرب)، التلقين داء قاتل ومدمر للأمم وللإنسان. ولم تحقق الأمم النابغة قفزاتها إلا بعد أن همشت التلقين، ولا سيما في مسائل الفكر والنظر.. وجوهر ديننا قائم على النظر والبحث والتفكير، لا التلقين. دين الإسلام هو أرحب الدول عبر التاريخ قبولًا للفلسفة، وطرقها، وأفكارها، والدليل مصائر فلاسفة اليونان كان التشريد والقتل، وفلاسفة الإسلام لم يصلوا إلى هذا الحد المفرط من العداوة تجاههم. ولكن الغربيين سبقونا بإحياء تراث فلاسفتهم ونحن تأخرنا. الإسلام لا يضيق ذرعاً بالفلسفة؛ لأنها تفكر في حقائق الأشياء؛ لأن التفكير في كل شيء في الوجود هو من فرائض الإسلام، بل من أعظم العبادات عبادة التفكير والنظر.