يمثل الدولار رمز القوة والهيمنة الأميركية التي سيطرت على اقتصادات العالم حتى أصبحت قوة بعض الدول الاقتصادية مرهونة بسعر الدولار، وأصبحت العملة المهيمنة على جميع عملات الأرض حتى سمحت بعض الدول للعملة الأميركية أن تستخدم كعملة مرادفة لعملتها فكيف وصل الدولار إلى هذه الثقة والمكانة العالمية. صدر أول دولار أميركي العام 1792م إلا أن قصة صعوده قد بدأت العام 1944م بعد أن لاحت بشائر نصر الحلفاء في الحرب العالمية الثانية فنظم المنتصرون برعاية أميركية مؤتمر (بريتون وودز) لوضع نظام مالي عالمي جديد فاتفق الحلفاء على إنشاء البنك الدولي لتمويل مشروعات إعادة الإعمار بعد الحرب وصندوق النقد الدولي لتمويل الدول المحتاجة، كما قرروا ربط الدولار بالذهب وهو ما حوله من عملة محلية إلى عملة للاحتياط العالمي. وبالفعل بعد انتهاء الحرب وانتصار الحلفاء تم العمل بنظام (بريتون وودز) فازدهر الدولار واحتفظت به الدول كعملة احتياطية للتبادل التجاري وبدأت أميركا تلعب دورها القيادي كقوة عظمى عالمية مع قاعدة صناعية واحتياط ضخم من الذهب فتحقق الازدهار والاستقرار في سوق العملات وانتعشت التجارة والصناعة الأميركية عبر العالم. ومع الحاجة الأميركية لتمويل مشروعات التنمية والصناعة وبرامج الفضاء والحرب الفيتنامية اضطرت الحكومة الأميركية إلى طباعة مزيد من الدولارات بشكل يفوق قيمة ما تملكه من الذهب حتى وصلت قيمة الذهب الذي تملكه العام 1971م الى أقل من ربع المعروض النقدي من الدولار مما زاد الضغط على الدولار من خلال إقبال البنوك المركزية في العالم على شراء الذهب والتخلص من الدولار وهو ما دفع الرئيس رتشرد نكسون للإعلان الشهير في 15 أغسطس 1971م عن إيقاف العمل باتفاقية (بريتون وودز) وفك الربط بين الذهب والدولار وجعل سعر الدولار يخضع للعرض والطلب مما أصاب الدولار والعالم بارتباك شديد حتى قررت منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) العام 1973م اعتماد الدولار كعملة تقييم للبترول مما عاد بالدولار إلى الأضواء واهتمام البنوك المركزية وأصبح الدولار من جديد عملة الاحتياط العالمي والتجارة الدولية والملاذ الأمن وازدهر الاقتصاد الأميركي والصناعة والتجارة الأميركية حتى وصلت اليوم إلى مكانة لا يمكن أن تنافسها عملة أخرى فأصبح اليوم 73 % من التجارة العالمية و62 % من العمليات المالية في العالم تعتمد على الدولار الأميركي وأصبح الاقتصاد الأميركي الأضخم في العالم بما يمثل 24 % من اقتصاد العالم بناتج محلي يفوق 19 ترليون دولار بينما تمثل الصين التي تليها من حيث الحجم 15 % بناتج محلي 12 ترليون دولار. إن قوة الاقتصاد الأميركي اليوم تكمن في تداخله مع جميع اقتصادات العالم حتى بات منافسوه يقومون بدعمة من خلال الاستثمار في أسواق المال الأميركي وشراء المزيد من الدولارات والحقيقة أن قوة الاقتصاد الأميركي لا تعتمد فقط على القوة المالية ولكنها قوة اقتصادية محروسة بقوة عسكرية وعلاقات سياسية تدافع عنه وهو ما خلق سلاحاً أميركياً جديداً على شكل عقوبات اقتصادية فتاكة ضد الدول المناوئة فمن يريد النيل من الدولار عليه النيل من أميركا أولاً.