من أحدث المصطلحات التي تتردد كثيراً، في الآونة الأخيرة، ما يعرف ب (القوة الناعمة Soft power)، والذي يعدّ حديثاً نسبياً، صاغه "جوزيف ناي" من جامعة هارفارد عام 1990، في كتابه الشهير المعنون ب"مقدرة للقيادة: الطبيعة المتغيرة للقوة الأميركية"، وبعدها قام بتطوير المفهوم في كتابه الصادر عام 2004 بعنوان "القوة الناعمة: وسائل النجاح في السياسة الدولية". يستخدم المصطلح "لوصف القدرة على الجذب والضم دون الإكراه أو استخدام القوة كوسيلة للإقناع"، باختصار؛ كلما سمعت عن "القوة الناعمة" تذكرت معلومة قديمة، لا أعرف أين قرأتها ومتى، تقول إن أميركا غزت -وهذا غزو محمود بنظري- العالم بثلاثة أشياء: السينما، الجينز، والبرغر.. حتى تحولت لأشياء عالمية، تعبر عن "الأمركة" بشكل ضمني، وعليك القياس بالنسبة للأخريات. أعتقد، اعتقاداً قد يرتقي لليقين، أن أهمية المصطلح تنامت أضعافاً كثيرة بفعل التقنية. نظراً لتوفر الأدوات الحديثة للتواصل، والمحفزات المصاحبة للإقناع، وسهولة الوصول للمتلقي، وشبه تلاشي الحواجز بين المجتمعات، والتشارك بالاهتمامات المتشابهة، بالإضافة للغات المشتركة بين الأجيال الحديثة. اللبنة الأساسية من وجهة نظري للاستفادة من قوانا الناعمة الكثيرة؛ تتمثل في دعم مؤسسات المجتمع المدني المهنية والرسمية، التي يمكنها أن تحمل ذات الهم الوطني والشعبي، وتستخدم عناصرها المختلفة للشرح والتوضيح والاتصال. نشرت "المجلة العربية" ملفاً مهماً عن ذات الموضوع، أسمته "الحروب المخملية"، سلط الضوء على كثير من الزوايا المهمة في المصطلح وتفرعاته، اقتبس منه: "يطرح التساؤل عن معايير قياس القوة الناعمة لدولة ما، وقد حاول باحثون في مؤسسة (بورتلاند) تحديد بعض هذه المعايير، فأشاروا أولاً إلى الحكومة ومؤسساتها وسياساتها العامة، فكلما نجحت الحكومة في إدراك أهدافها، وكلما كانت سياساتها مجدية كلما ازداد معدل جاذبيتها، وبالتالي ارتفع قياس قوتها الناعمة. كما أشاروا ثانياً إلى ثقافة المجتمع ومدى عالمية هذه الثقافة، سواء تعلقت بالمنتوج كالبحث العلمي أو الأدبي أو المنتوج الفني للثقافة الشعبية. كما أشاروا ثالثاً إلى معياري بصمة النشاط الدبلوماسي للدولة في السياسات العالمية، والتعليم بما فيه من جذب للطلبة الأجانب للدراسة في مؤسساتها الجامعية، ونشاط حركة الترجمة التي تنتشر بها ثقافة البلد الخاصة وموروثه الحضاري الإنساني الخاص". نملك الكثير من المقومات لبناء أذرع ناعمة، قوية التأثير.. المهم أن تتكامل الجهود، وتعمل بخطط تراكمية وواضحة. والسلام..