شرفت بزيارة منطقة عسير ضمن وفد من الإعلاميين السعوديين، بمبادرة فذة من مؤسستي بازار السعودية ورونق الإبداع لتدشين #رجالألمعتراث_عالمي، والاطلاع على جهود إمارة عسير، وهيئة السياحة والآثار، وأفعال أمانة مدينة أبها، وأنشطة أغلب الفاعلين بالمشهد السياحي الجنوبي. كانت زيارة محفزة مدهشة، وكان اللافت فيها توافق الجميع والتزامهم بروح العطاء الجنوبي، التي تقدم الضيف في كل الأمور، وتفخر باطلاعه بنفسه على ذلك الحراك الوطني الجميل المتفاني، واستبشار أن الأثر الجنوبي في سبيله للعالمية، ليس فقط على مستوى قرية رجال ألمع، ولكن وكما بشرنا أمير المنطقة الأمير فيصل بن خالد، أن البحث جاد وأصيل، وأن العمل جارٍ على تحديد عدة مناطق أثرية تستحق أن تكون سلسلة من التراث، الذي يبهر السائح، في مختلف الزوايا الجنوبية، فتكون رحلته عميقة شاملة، يلمس من تعددها عظمة الإنسان القديم، وعراقة التاريخ، وما شهده من أحداث وبطولات، وأن الجدران لا تحتاج لمن يلطم عليها، بقدر احتياجها لمن يقف بجوارها، ويعيد بناء ما تهدم منها، وتفصيل وإبراز تاريخها الحاكي بلسان أجدادنا من الأمم المندثرة. وقد أشعل دواخلنا حرص ووطنية جميع أهل المناطق المختلفة التي زرناها، والبعض يتمنى أن يدفع من جيبه لتكون عسير منارة تراث تضيء جزءاً عزيزاً من مملكتنا الغالية. في رجال ألمع قابلنا العم التسعيني طرشي، الذي يظل واقفاً بجوار متحفه التراثي الصغير، في مقابل مباني قرية تراث رجال ألمع، وهو يهتز حماساً وفخراً ونشوة بروح الشباب، ويلتوي عشقاً وهو يردد جملته: (رب همة أيقظت أمة)، ويشرح قصته مع قريته، التي أدرك قبل أربعين عاماً أنها لا بد أن تعود للحياة، وأنها ستنفض عنها أسمال النسيان يوماً، لتحدثنا بلسان التاريخ الصامت لتسعة قرون من الزمان عاصرتها. العم طرشي لا يتوقف عن قرع منتصف عظام صدره بأصابعه بين كل جملة يقولها والأخرى، ويمسح عينيه التي يعاركهما الزمان، وهي تأبى إلا أن تشع بنبضات حب لكل صخرة بناها بيديه، وكل ريال وضعه في مونتها، ليحفظها للمكان والزمان، ولمن سيأتي من الأحفاد. بين العم طرشي وسمو أمير عسير، وجدنا فسحات وخيوطاً من نور، متناغمة مع عزم الملك سلمان، ورؤية العراب الأمير محمد بن سلمان لتكوين سعودية جديدة عظمى، لن تضام طالما كان فيها شعبها خشم طويق العظيم، ووحدة جزرها وشطآنها وكثبانها وجبالها، ونخلة تعانق السرو والطلحة، وتحكي لنا عن أجداد لنا مروا من هنا قبل آلاف السنين، وقفزوا معنا بتراثهم للقادم الجميل الطموح، وتلك عدوى حميدة نلتقطها من أرواح جميع من قابلناهم في رحلتنا. القافلة السعودية تسير، غير عابئة بكل العقبات، وكل الحاسدين، وستبلغ بشائرها الآفاق بإذن الله، لأن عجلاتها مصنوعة من فولاذ الحزم، ومشاعر شغف القلوب، وأمنيات من يفتدون الثرى بالمال والأرواح.