40 % من الحشرات المعروفة في قارة أوروبا، و60 % في قارة أميركا الجنوبية انقرضت في العشر السنوات الأخيرة. إحصائية تثير الذعر، فهي نسبة مخيفة من الكائنات تتلاشى وتترك فراغات في الغطاء الحيوي لكوكب الأرض «the ecosystem» وللوظائف الحيوية التي تلعبها تلك المكونات في حماية واستمرارية توازن النظام البيئي من ماء وهواء وتربة معدنية وأحياء، هذا التبادل النشط للطاقة وللمادة الذي تقوم عليه الحياة. ولربما ملّ الجمهور هذا التكرار للتحذيرات من دمار الأرض والدعوة لاتخاذ إجراءات جادة لإنقاذها، وبدا المنادون متشائمين يفسدون على اللاهين متعتهم وسلامهم النفسي، لكن المتعة والسلام تنهار يوماً وراء يوم وكارثة بيئية عقب كارثة. ولعل بعض مظاهر اختلال النظام البيئي تلك الحرائق التي تجتاح كاليفورنيا والقارة الأميركية، حرائق شرسة حسب رأي الخبراء لم يُشهَد لها مثيل في المئة عام الأخيرة من تاريخ أميركا، سببت وفيات وإصابات وقادت لتشريد الآلاف ومحقت آلاف المساكن والأعمال في طريقها، مثل مدينة بارادايز التي تحولت لرماد، ولم ينجُ من ذلك الحريق حتى النجوم المرفهون في ماليبو والذين تقوضت مساكنهم الفارهة وتحولت تحفها لرماد. سيناريو يفوق في عنفه واستحكامه كل مخيلة، لكنها الطبيعة بقواها الخارقة ترسل الإنذار وراء الإنذار، لكن البشر يتخبطون في محاولاتهم لوقف الممارسات المسببة لكل ذلك الخلل البيئي، فحين تخرج جماعات الخضر متظاهرة مطالبة لاتخاذ إجراءات لحماية البيئة ولوقف الاستغلال المجحف للطبيعة تخرج من جهة أخرى جماعات متظاهرة لمقاومة تلك الإجراءات، كما يحدث في فرنسا الآن، حين لجأت الحكومة لرفع أسعار البنزين والديزل للحد من استعمال السيارات، وبالتالي الحد من التلوث المهدد للبيئة والحاصل من احتراق الوقود، حيث نشهد تكون الجماعة التي أطلقت على نفسها «المعاطف الصفراء les gilets jaunes»، والتي تشكلت من مواطنين لا يخضعون لنقابات عمال ولا لتنظيمات سياسية بحيث يستحيل التحكم في حركتهم وتوجيه تنظيماتهم، تخرج جماعة الجيليهات الصفراء انبعاثاً من الضغوط المادية المتصاعدة على الطبقة الوسطى والفقيرة وسكان القرى والمدن الصغيرة المحتاجين لاستعمال سياراتهم في التنقل في مناطق لا تتوفر فيها وسائل مواصلات عامة، تخرج تلك الجماعات المتضررة مطالبة بخفض أسعار البنزين، أفراد جادون في مطالبهم يتحركون في مواكب سيارات تختار طرقاً رئيسة في فرنسا، حيث يوقفون سياراتهم فجأة بوسط الطريق مشكلين اختناقات تغلق الشوارع في المدن الفرنسية معطلين حركة المرور، إنهم في كل مكان ابتداءً من السبت 17 نوفمبر 2018، ولا سبيل للتكهن بنتيجة تلك الحركة. إنه عالم يتخبط بين رغبته في التوغل في الاكتشافات والاستهلاك المجنون الناجم عنه وبين الرغبة في العودة للطبيعة وخلود كوكب الأرض.