تزخر أرض المملكة العربية السعودية بمواضع تاريخية حفظها وسطرها الشعر العربي على مر العصور، ومن مناطق المملكة التي ذكرها غير واحد من شعراء العرب في الجاهلية والإسلام منطقة بيشة. وممن ذكرها الشاعر لَقِيطٌ بن يعمر الإِيَادِيُّ، شاعر جاهلي مُقِلّ، وخطيب مُفوه مُفِلّ من بني إياد النزارية، الذين منهم قبيلة النَّخَع. جاء عند إمام النسَّابين الكلبي في كتابه "افتراق ولد معد"، أنه جَسْر بن عمرو بن الطَّمَثان بن عَوْذِ مَنَاةَ بن يَقْدُم بن أفصَى بن دُعْمي بن إياد ابن نِزار، وقال وتيامنت النخع فنزلت ناحية بيشة وما والاها من البلاد.. يقول أحدهم: فيا حبذا أعلامُ ( بيشةَ ) واللَّوى .. وياحبذا أخشافها والجوارِسُ أقامت بها جسر بن عمرو وأصبحت.. إيادٌ بها قد ذلَّ منها المعاطِسُ ذكره الآمدي فيمن يقال له لقيط، وسماه لقيط بن معبد، وقال: شاعر وسيد من سادات إياد. وقال الأصفهاني فارس وشاعر. ذكره الجاحظ من خُطباء إياد وفصحائهم الذين ضُرب بهم المثل. وكان من المغتالين حيث مات مسموما بحلة من جلد مسمومة، ولكن غاب ذكره عند ابن حبيب في كتابه أسماء المغتالين. من الأوفياء لم يطغه مال الملوك وحلو عيشهم عن كرامة العرب وسلامتهم، فهو من فدائي العرب إن لم يكن أولهم، حيث علم عنه أنه يتكلم الفارسية إلى جانب العربية، وعرف عنه كسرى فاتخذه كاتباً ومترجماً في ديوانه. وعندما علم بغزو كسرى للعرب، بعث بقصيدته التحذيرية ينذر فيها قومه والعرب قاطبة من غزو كسرى إياهم، وإبلاغهم بالخطر المُحدق من تقدم جحافل جيش ملك الفرس، ويقول في مطلع القصيدة التي بلغت ستين بيتا: يا دارَ عمرةَ من محتلِّهَا الجرعَا.. هاجَتْ لي الهمَّ والأحزانَ والوجعَا وقال مؤكدا أن الحرب واقعة لا محالة: أبلغ إيادا وخلل في سراتهم .. أني أرى الرأي إن لم أعص قد نصعا ومنها أيضا استهجانه لعدم استعدادهم لها: مالي أراكم نياما في بلهينة .. وقد ترون شهاب الحرب قد سطعا إلى أن قال مستحثا بأخذ عدتهم وعتادهم لهذه الحرب: ولا يَدَع بعضُكم بعضاً لنائبةٍ .. كما تركتُم بأعلى بِيشةَ النَّخعَا صونوا جيادَكمُ واجلوا سيوفكمُ .. وجددوا للقسيِّ النبلَ والشِّرعَا ولسوء الطالع وقعت القصيدة في يد الملك، فقطع لسانه وتسبَّب في اغتياله بالحلة المسمومة. وتعتبر قصيدته تلك من غُرر ونفائس قصائد العرب، قال عنها طيفور في كتابه المنظوم والمنثور: من القصائد المفردات الجاهليات التي لا يعرف في مثل معناها وجودتها وجزالة ألفاظها، فبقيت محفوظة على مر القرون. ولا سيما أن قائلها، لم يعده الأصمعي من فحول الشعراء. ولم يوجد له مركز عند ابن سلاّم في الطبقات. وعن سنة وفاته، مات لقيط قبل الإسلام بنحو 250 عاماً كما عجّت بذلك كتب الأدب، وبالرجوع إلى بني إياد، فاليوم لا يُحَسُّ منهم من أحد ولا يسمع لهم رِكْزا، ولم يبق لهم في موروث بني قومنا في بيشة إلا ذكر (بنت الخُّس) هند بنت الخُّس بن حابس بن قريط الإيادي؛ حيث أصبح اسمها مضرباً للمثل بين قبائل العرب في المكر والخديعة.