في ليلة تاريخية باذخة شهدتها الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، ضمن فعاليات منتدى التاريخ والآثار التابع لبرنامج الجمعية الثقافي، تناول الدكتور خليف الشمري «صورة القبائل العربية في كتابات المستشرقين»؛ حيث تحدث المحاضر عن أهم هؤلاء المستشرقين وكتاباتهم عن القبائل، تلك الكتابات التي وإن احتوت على عديد من المعلومات الدقيقة، إلا أنها لا تخلو من عناصر المبالغة، والتحامل، وأحياناً الجهل ببعض جوانب الحياة القبلية، ما يجعل تفسيرهم لهذه الجوانب مخالفاً للصواب. ومن ذلك أن بعضهم لما رأى بعض أفراد القبائل يستقبل القبلة بعد الفجر ليؤدي بعض السنن، فسروها على أن هؤلاء الأفراد كان يعبدون الشمس. وقد جاءت المحاضرة جميلة في طرحها، وفي محاولة إنصاف تاريخنا الوطني من بعض التهم التي ألصقت به، وإن كان غلب عليها وضع جميع هؤلاء الرحالة في سلة واحدة، واعتبارهم مدفوعين بدوافع سياسية واستخباراتية للكتابة عن قبائل الجزيرة العربية. ومن النقاط التي أحدثت نقاشاً مطولاً بين المحاضر وبين الأستاذ الدكتور عبدالعزيز المانع الخلاف على تسمية هؤلاء الغربيين الذين قدموا إلى الجزيرة العربية وكتبوا عنها. ففي حين أن المحاضر قد أسماهم «مستشرقين»، إلا أن الدكتور المانع قد عارض هذه التسمية بشدة مطلقاً عليهم «رحالة»، بينما المستشرقون - كما يراهم الدكتور المانع - هم من كتبوا عن الشرق من خلال المراكز والكراسي العلمية في الغرب، أي الأكاديميين. والحقيقة أن الخلاف هنا هو خلاف في تعريف الاستشراق قبل المستشرقين. فكلمة «استشراق» مستمدة من «منطقة الشرق»، وهي المنطقة المستهدفة بالكتابة، وهي نقيض «الغرب»، تلك المنطقة المنتجة لهذه المعرفة عن الشرق. وعليه، إذا عرفنا الاستشراق بأنه «الكتابة عن الشرق» دون تحديد نوعية هذه الكتابة، فإن كل من كتب عن الشرق سواء أكانوا أكادميين أو رحالة يعتبرون «مستشرقين». أما إذا كان المقصود بالاستشراق تلك الحركة العلمية التي ظهرت في الغرب للعناية بلغات الشرق وعلومه، فإن المستشرقين هنا هم أساتذة هذه الحركة في المراكز والكراسي والعلمية. وهذا يقترب من تعريف المستشرق الإنجليزي أربري، الذي يرى أن الاستشراق هو «التبحر في لغات الشرق وآدابه»؛ حيث يتطلب الاستشراق هنا بحثاً في المقام الأول، وإتقانا للغات الشرق، وآدابه. وهذا ما لم يتوافر للرحالة الذين قد يتقنون بعض اللغات الشرقية فقط، ولكنهم في نهاية المطاف رحالة. لذلك نرى المستشرق سلفستر دي ساسي يطلق مصطلح مستشرقين على زملائه الذين كان لهم دور كبير في دراسة فقه اللغة العربية. ومن الإنصاف أن نذكر أن ما أنتجه الاستشراق الأكاديمي عن «الشرق» يعتبر إضافة علمية كبيرة لا غنى للباحث عن تاريخ الشرق وحضارته حتى من أبناء الشرق عنه، مع ضرورة توافر القراءة النقدية دائماً لهذه المعرفة المنتجة. والأمر ينطبق على كتابات الرحالة نوعا ما، وإن كان النوع الأول من الاستشراق أكثر رصانة لعديد من الأسباب لا يتسع لها هذا المقال.