في تجربتنا الحياتية التي نتشارك فيها في هذا الوجود تتكون لدينا بطبيعة المعايشة مجموعة من الثنائيات بعدد لا متناهٍ، والتي هي أيضاً أحد أنظمة الخالق المبثوثة في وجوده؛ فهناك ليل ونهار، وسماء وأرض، وجبل وبحر، وصحة ومرض، وقوة وضعف، وحق وباطل، وهكذا تستمر سلسلة الثنائيات بلا توقف. وأحد أوجهها؛ ثنائية الحقيقة والوهم، وهي مسألة معقدة ومتشابكة، والنقاش فيها يطول ولا تكاد تجد فيلسوفاً أو مفكراً إلا وقد تكلم عن ذلك الوجهين. ولأن دائرة النقاش واسعة فسأخصص حديثي في هذا المقال عن ذلك الوهم الداخلي أي الذي يصنعه اللاعب الاجتماعي - الفرد - لنفسه ما يجعله يعمل بمقتضاه في كلٍ من حركاته وسكناته، وسأترك الوهم الخارجي الذي يصنعه الآخرون وندور في فلكه أثناء حالة غفلتنا. إننا عندما نتحدث عن الوهم فإننا نتحدث عما يستولد الواحد لنفسه من تخيلات وتصورات مغلوطة تستوجب في المقابل مسالك مغلوطة، الأمر الذي يؤدي بنا إلى نتائج أيضاً مغلوطة. خذ مثالاً على ذلك من يتوهم المرض وهو ليس بمريض ويعيش بهذه الفكرة فترة طويلة من الزمن فيتعب ويُتعب من حوله وليس ثمة مرض، وغاية ما يريده انتباه أو اهتمام. والعجيب جداً هو أن الجسد يستجيب لما يدور في الأفكار والمشاعر، فإن كانت تدور في عقله فكرة الموت مثلاً فإنه سيختنق فعلياً ويتصبب عرقاً. وإن كان يدور في عقله فكرة ضعف نظره فإنه سيجد في عينيه ما يساعده على تبني الفكرة حتى وإن كانت آلاماً عابرة. والحل خطوات أولها: أفق مما أنت فيه بأن تدرك أن ما يثرثر به عقلك على الدوام لا يعني الصحة على الدوام. ثانياً: اعترف لنفسك بهدوء ولطف بأنه قد تم اصطيادك فكرياً بحبل متين. ثالثاً: اقطع الحبل الذي يحبسك في صندوق وهمك وينْهك طاقتك النفسية فكرياً ومشاعرياً وأحياناً سلوكياً بأن لا تلتفت لتلك الثرثرة العقلية لكيلا تكون عضواً دائماً في نادي القلق وتقضي فيه أغلب أوقاتك. ورابعاً: تراقب عالمك الداخلي وتصنف ظنونك وتوقعاتك وأفكارك ومشاعرك وسلوكياتك وتدرك بأنك كلما نظمت الصفوف أصبحت قوياً شديداً غير قابل للاختراق فيمتنع عالمك الداخلي عن الاستجابة لتلك الثرثرة والأوهام. خامساً: تخفض أهمية ما يمر بك لتعود شيئاً فشيئاً إلى نقطة التوازن، ولعلي أنصح القارئ بأن يطلع على كتابي فضاء الاحتمالات ففيه شيء من التفصيل المناسب. وأخيراً عزيزي القارئ، إنما الوهم غفلة ونوم في الأحداث تستوجب مزيداً من العمل للعودة إلى سالف عهدك.