شهدنا في السنين الماضية تحولاً ملحوظاً لدور المرأة في سوق العمل السعودية، وجاءت رؤية المملكة 2030 لتثبت حرص القيادة على تمكين المرأة السعودية التي كانت في صميم اهتمامات هذه الرؤية المستقبلية. كما شكّل القرار السامي بالسماح للمرأة بقيادة السيارة قبل نحو عام، خطوة مهمة نحو تمكين المرأة العاملة من التنقل، بما يعكس التقدير الحقيقي لقيادة المملكة ونظرتها الإيجابية إلى المرأة السعودية. ومع ذلك، كانت القيادة قد أولت اهتماماً لتعزيز مشاركة المرأة في وقت سابق، عبر تعيين أول نائبة وزير في العام 2009، ثم دخول المرأة إلى مجلس الشورى في العام 2013 لتشارك في اتّخاذ القرارات المهمة لصالح المواطن والمجتمع. وشكّل التعليم الخطوة الأولى والمحور الرئيس الذي استند إليه هذا التحول، فقدّمت القيادة للمرأة أعلى مستويات الدعم عبر تنمية مواهبها واستثمار طاقاتها وتمكينها من الحصول على الفرص المناسبة في سوق العمل، وذلك تمهيداً للدور الذي ستلعبه في نجاح رؤية 2030. ومن الأمثلة الكثيرة على ذلك إعلان المملكة عن إنشاء جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن للبنات، التي تعد أكبر جامعة للنساء في العالم، حتى قبل إطلاق رؤية المملكة. من المنظور العالمي، تشكل المملكة جزءاً من حوار يجري على نطاق أوسع حول القوى العاملة. ويشمل هذا النقاش قضية المساواة في الأجور في أميركا الشمالية، وعدم وجود تمثيل نسائي كافٍ في مجالس الإدارة في أوروبا، وقضايا كثيرة أخرى. وتقود ميرسر حملة مع المنتدى الاقتصادي العالمي الذي سيعلن عن دراسة بعنوان «عندما تزدهر المرأة». ووفقا لهذه الدراسة، سوف يستغرق معدل التغيير الحالي 217 عاماً لسدّ الفجوة بين الجنسين في الاقتصاد العالمي. في الوقت نفسه، أصبح من الواضح وبشكل متزايد أنّ مشاركة المرأة في القوى العاملة يجب أن تؤخذ في الاعتبار من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية ككل. وتؤكّد الدراسة أنّ التنوّع في القوى العاملة يعتبر أمراً حتمياً تفرضه طبيعة الأعمال، كما تثبت أنّ التنوّع سوف يعزز المحصلة النهائية. فالمنظمات حول العالم تبذل جهداً واعياً نحو زيادة تمثيل المرأة في القيادة العليا وتمكين التقدّم التصاعدي للمرأة. من منظور محلي، وعلى طريق تحقيق رؤية 2030، شهدت المملكة إعلانات عدّة من منظمات بارزة في القطاعين الحكومي والخاص لتعيين السيدات في المناصب التنفيذية والقيادية ومجالس الإدارة. ومؤخراً، أعلنت أرامكو السعودية، شركة النفط الأكثر ربحية في العالم، عن تعيين أول امرأة في مجلس إدارتها، فيما عينت سيتي جروب إمرأة لقيادة أعمالها في المملكة. وتحقق الشركات تقدماً مهماً في زيادة تمثيل المرأة في القيادة العليا، ما يتيح التقدم المتصاعد للمرأة. كما تعمل شركات على تعيين المواهب وترقيتها على أساس الكفاءة، حيث تعتبر الموهبة والقدرات من العوامل الحاسمة في النجاح التشغيلي. كيف يمكن للمؤسسات إذاً أن تضمن نجاح المرأة وبالتالي المساهمة في تحقيق رؤية 2030؟ نجد اليوم أنّ الإناث يمثلن نحو 50 % من السكان في المملكة. ومع ذلك، تشكل النساء نحو 20 % من القوى العاملة فقط. وفي الوقت نفسه، تتمتع الإناث بنسبة أعلى من شهادات التعليم العالي. وهنا تبرز مجالات للاستفادة من هذه المواهب عبر فسح المجال لإطلاق الإمكانات الهائلة للمرأة في المملكة. وتوضح دراسة «عندما تزدهر النساء» الطرق التي يمكن بها للمنظمات تسهيل ذلك. فعلى سبيل المثال، يسمح تحليل بيانات القوى العاملة لصاحب العمل رؤية الخبرات المهنية التي لها قيمة تنموية أعلى، ومن ثم تقييم مدى تمتع المرأة بالمساواة في الاستفادة من هذه الفرص، ويمكن لأصحاب العمل بعد ذلك الأخذ في الاعتبار فرص صقل المهارات ونشر المواهب على النحو الأمثل بالطريقة التي تضمن رضى الموظفات عما تعلمنه. ونتيجة لذلك، تستفيد المؤسسات من وجود موظفات لديهن الدافع لإنجاز عمل ذي قيمة بطرق جديدة. ومع التحوّل الكبير في المملكة، سيشكل الأشخاص والمهارات عوامل نجاح لرؤية المملكة 2030، حيث يشكل الإنسان القوة الدافعة وراء كل التغيّرات العظيمة. ومع التقدم المحرز مؤخراً في فرص المرأة والمعرفة والمهارات التي ستجلبها إلى القوة العاملة المتنوعة، فإن النمو المستدام سيعتمد على استثمار المواهب المناسبة كوقود للمستقبل، لتكون نتيجة ذلك تغيير وضع المملكة من دولة ذات اقتصاد قائم على النفط إلى اقتصاد يستند إلى الموهبة. وبعد كل هذه الإنجازات، نتطلع إلى مواصلة المرأة السعودية دورها الحيوي في دفع عجلة التنمية، والمساعدة في إطلاق الإمكانات الحقيقية للمملكة وتحقيق نجاحات كبيرة على الصعيدين الإقليمي والعالمي. Your browser does not support the video tag.