(إن الدين عند الله الإسلام) آية 19 من سورة آل عمران. كثيراً ما تستوقفني هذه الآية، حيث يناديني فيها عمق لا يقاوَم. فما الذي تُضمره هذه الخمس كلمات، وهل تعني كون الأديان المنزلة هي في جوهرها إسلام؟ وما المقصود هنا بالإسلام هل هو مجرد الدين المُنَزَّل على حبيبنا المصطفى محمد عليه وآله أفضل الصلاة والتسليم؟ فإذا رجعنا للعبارة التي شكلت أساساً في دعوة سيدنا محمد، «الإسلام هو الاستسلام» ندرك أن الأمر يتسع ليؤسس لجوهر كل العقائد، يؤسس لنواة الإيمان، هذه النواة المتلخصة في كلمة واحدة ألا وهي «الاستسلام». باعتقادي أن هذه الكلمة يمكن أن يقوم عليها منهج شامل للدين يمكن تدريسه للناشئة بمختلف مراحل التعليم يتطور ويتعمق في مفهوم الاستسلام مع تدرج مراحل التعليم. «الاستسلام» لله، نقف أمام هذه العبارة وننصت بصمت، نسمح لقلوبنا أن تتلقاها، تغتسل بها، تتشربها وتتنفسها وتبعثها لآخر خلايا الجسد والروح، أن تسلم زمامك عقلك جسدك بعنفوانه وآلامه، تطرحه مستسلماً لله.. في تسارع الحياة والركض للتحقق نحتاج وقفة كهذه، استسلاماً بكامل الوعي واللاوعي لله، الاستسلام الكامل الذي يقبل متلذذاً بكل ما يأتي به القدر خيراً كان، أو بالأهم إن بدا لنا في هيئة فقدٍ أو مصاب، لأن كل أمر المؤمن خير، بمعنى أن ما يبدو لنا في صورة بلاء هو قطعاً من عطاياه جل وعلا. لكن السؤال: كيف نتقبل المُصَاب كما نتقبل النعم؟ ولا يتحقق ذلك إلا بالإدراك اليقيني أن الوجود قائم على توازن إلهي إعجازي، فالأسود يأتي ليُظهر الأبيص، والحب يأتي بأهمية الكره والغضب بأهمية الرضا، إنها الديناميكية التي تعطي للحياة نكهة، إنها السر وراء خلق آدم حين كانت السماوات تعج بالملائكة التي لا تكف تسبح وتسجد تمجيداً لله جل وعلا، وسط هذا التسليم والنقاء الملائكي جاء خلق الكائن الطيني الذي تعجبت الملائكة من قدرته على الإفساد وسفك الدماء. هذه الحرب التي جاء بها آدم وهذا الموت هما اللذان يظهران معنى الحياة، اجتماع النقائض هذه هي الحياة على الأرض، ومن هنا تأتي أهمية الاستسلام لكل ما يجيء، استسلام نابع من يقين بالخير في القدر مهما كان، الاستسلام المعزز بالرضا، هذا هو الإيمان. وأعود منقبة في عمق الاستسلام، تخيل نفسك في بحر هائج بلا شاطئ يلوح، ليس غير الماء والسماء، تخيل أنك تلقي بجسدك مستلقياً على الماء، واثقاً أن هناك حبكة إلهية تُنْسَج حولك، تسبقك تتقدمك وتتأخر عنك وعن يمينك ويسارك وفوقك وأسفل منك، تخيل تلك الحبكة تغنيك حتى عن سفن الإنقاذ، إنها العناية الإلهية قطعاً ستحملك لما يفوق تخيلك.. تخيل ذلك الاستسلام الكامل لتلك الحبكة غير المنظورة، افتح كامل خلاياك لها، لا تقاوم، وعندها سيحملك الماء والسماء ليقدماك لشاطئ ينبت من لا مكان، ومحمولاً ستغسل جوفك لذة لا تقاوم.. إنها لذة الاستسلام الكامل لله وإعجاز إرادته لنا. هي محاولة مبدئية مني لكشف العمق اللانهائي للاستسلام. Your browser does not support the video tag.