حرب خبيثة وشرّيرة تلك التي مارسها الإعلام في الآونة الأخيرة بشتى صوره وأقنيته؛ إذ سعى بكل ما أوتي من قُوّة إلى تحشيد الرأي العام العالمي ودفعه باتجاهات معيّنة هدفها إقناع هذا الرأي بصواب قراراته وتوجّهاته وأفكاره بعد تغليفها بغطاء أيديولجي خفيّ. ولعل المتتبّع للصحافة العربية والعالمية والقنوات المرئية يلحظ هذا الملمح في قضية المواطن جمال خاشقجي؛ فقد بدا واضحاً تطبيق الاستراتيجية الإعلامية التي سمّاها باري غلاستر، «المتاجرة بالخوف»، والتي تعتمد على ثلاثة أساليب: التكرار، جعل غير المألوف مألوفاً، والتضليل. وقد برع الإعلام المضادّ وغير النزيه في تطبيقها بدقّة متناهية من خلال الاستثمار لمنصّات الإعلام وتكرار مواد مرئية وأخبار وتقارير لا تمت للحقيقة بصلة؛ فكلّها تخرّصات وتلفيقات وتزييف واضح للوقائع والأحداث. وتتبدّى خطورة مثل هذا الإعلام المُضلّل في كونه يمسك بتلابيب وعقل المشاهد والمتلقّي باثّاً في روعه مخاوف مرعبة لا تلبث أن تستقر في ذهنه مع التكرار مما ينعكس سلبياً على المشاهد من خوف وقلق وتوتّر وتشتّت ذهني وكذلك مداخلة الضغينة للقلوب والشحناء المفسدة للعلائق سواء بين الأفراد أو الشعوب. وللأسف حتى هذه السياسة والاستراتيجية «استراتيجية التخويف» يمارسها بعض السياسيين مستغلّين المخاوف كي يسوقوا الناس لاتجاهات ليس بالضرورة منطلقة من قناعات ذاتية أو اختيار، وإنما مدفوعون بتلك العاطفة الباحثة عن الأمان ومن ثم تتحوّل تلك المخاوف لطاقة يتم تبديدها واستنزافها في مسارات غير صحيحة. نخلص من هذا إلى أنّ الإعلام خصوصاً السياسي يعيش توتّرات وتقلّبات عجيبة يجدر التفطّن لها ومجابهتها بإعلام رصين ومضاد يفنّد الأكاذيب ويدحض الترّهات والتزييفات التي استمرأ الإعلام المأجور والمرتزق استثمارها بصورة بشعة؛ فتارة يقدّم نفسه كإعلام يسعى لترسيخ قيم وحقوق الإنسان خصوصاً لدى دولنا متناسياً أنّ بلادنا - ولله الحمد - تأتي في مقدّمة الدول المطبّقة لهذه الحقوق والمبادئ التي استلهمتها من ديننا الحنيف الذي سبق كل المنظّمات الحقوقية والإنسانية مشكّلاً عبر مسار طويل هذه المبادئ وسعى لترسيخها وبلورتها، بل ومنحها بُعداً كونيّاً غنيّاً أصبح نبراساً وإرثاً حضارياً يستلهم فيض خبراته الآخرون. Your browser does not support the video tag.