في صبيحة يوم لا ينساه العالم 1 نوفمبر 2003م، فجرت وكالة «أسوشيتد برس» فضيحة سجن «أبو غريب» العراقي -الذي كان يقع حينها تحت إدارة العسكريين الأميركيين- بعد نشر تقرير عن إساءة معاملة نزلاء السجن، واحتاجت الولاياتالمتحدة إلى نحو شهرين للاعتراف بوجود انتهاكات للمعتقلين، وخرجت الحكومة الأميركية إلى وسائل الإعلام في 16 يناير 2004م لتعلن عن بدء التحقيق الرسمي لكشف الملابسات وتحديد المتورطين. انتشرت الصور «المريعة» لطرق تعذيب المساجين وإذلالهم وتكديسهم عراة من قبل الجنود الأميركيين، وبطبيعة الحال كما يحدث في هذه الحالات، كانت الولاياتالمتحدة أمام تحدي الوقت للإعلان للعالم عن تفاصيل ما حدث، ولكن العمل في مثل هذه الأوقات يحتم الحذر والحيطة. والمتابع للأحداث التاريخية يعي ويدرك جيداً أهمية تحري الدقة في مثل هذه القضايا ودور الإعلام وأثره في تشكيل اتجاهات الجمهور ومسؤوليته في نقل الحقيقة كاملة دون تزييف، وقد أثبتت المواقف أن كل من حاول المتاجرة بمثل هذه الأحداث وصمه العار وانكشف وجهه القبيح. الأدهى أنه في حادث وفاة المواطن جمال خاشقجي - رحمه الله - تسابقت وسائل الإعلام المأجورة التي تعمل وفق أجندات مفضوحة لنشر الشائعات وإثارة الفوضى ومحاولة التأثير على الرأي العام، والمتاجرة بالقضية وإطلاق التصريحات والمطالبات بنشر الملابسات والتفاصيل التي لا تزال قيد التحقيق. إن القيادة الرشيدة للمملكة أوضحت للعالم أن سبب استغراق الأمر نحو 18 يومًا هو الحرص الكبير والشديد على الإدلاء بمعلومات دقيقة قدر المستطاع، وأكد معالي وزير الخارجية عادل الجبير أنه عند وجود أوضاع كهذه ترغب في أن تكون المعلومات دقيقة بأكبر شكل ممكن، وقال معاليه: «لا نريد أن نضع افتراضات أو شائعات؛ لهذا فإن الموضوع يأخذ وقتًا». وأوضح الجبير أن التقارير كانت تشير إلى أن خاشقجي خرج من القنصلية، لكن فريق التحقيق السعودي اكتشف وجود عناصر تتناقض مع ما كان في تلك التقارير، وعند الوصول إلى الوقائع الصحيحة بدأ المدعي العام بإجراء التحقيقات، وأكد أن التقارير التي وُضعت مبدئيًّا كانت خاطئة، وأن هناك شيئًا حصل، يُعتبر جريمة. وبالنتائج الموجودة أخذت المملكة خطواتها. ولم تتوانَ المملكة في اتخاذ الإجراءات اللازمة منذ اللحظات الأولى، وأثارت القضية وملابساتها اهتمام المملكة على أعلى المستويات، وسارت التحقيقات بخطوات ثابتة لاستجلاء الحقيقة وأرسلت المملكة الفريق الأمني إلى تركيا بتاريخ 6 أكتوبر 2018 م للتعاون مع الأجهزة النظيرة في تركيا، أعقب ذلك تشكيل فريق أمني مشترك بين المملكة وجمهورية تركيا الشقيقة مع السماح للسلطات الأمنية التركية بدخول قنصلية المملكة في إسطنبول ودار السكن للقنصل، حرصاً من المملكة على معرفة كافة الحقائق. وإنفاذاً لتوجيهات القيادة بضرورة معرفة الحقيقة بكل وضوح وإعلانها بشفافية مهما كانت، أعلنت المملكة للعالم نتائج التحقيقات، مؤكدة على التزام السلطات بإبراز الحقائق للرأي العام، ومحاسبة جميع المتورطين وتقديمهم للعدالة بإحالتهم إلى المحاكم المختصة. ولن تنس المملكة مواقف الدول العربية الشقيقة التي أشادت بالقرارات والإجراءات التي اتخذها الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- في قضية خاشقجي، وما أولاه من اهتمام كبير وحرص بالغ على كشف الحقائق بكل نزاهة وموضوعية في هذا الموضوع وهو ما تجسد في توجيهاته وقراراته بكل شفافية وعدل وبما يكفل المحاسبة القانونية العادلة. إن المملكة ممثلة بقيادتها كانت ولا تزال دولة المؤسسات التي تقوم على العدل والإنصاف، ولا شك أن القرارات والإجراءات التي اتخذت في هذه القضية تؤكد مجدداً على هذه القيم والمبادئ الراسخة بما يكفل تطبيق القانون والعدالة على الجميع دون استثناء. Your browser does not support the video tag.