تُقدم المملكة العربية السعودية دروساً لا متناهية في مواقفها المتزنة والعقلانية بشكل عام، والسياسية منها بشكل أخص. تُعد قضية اختفاء المواطن السعودي جمال خاشقجي أنموذجاً ممتازاً لإيضاح ما أنا بصدده. منذ بدء اللحظات الأولى المصاحبة لاختفاء السيد جمال -رحمه الله-، والمملكة تُصرح علناً وتعلن صراحة أنها تبحث عن الحقائق لا غير، استغل أعداء المملكة هذه القضية لمحاولة النيل منها، وبذلوا في سبيل ذلك المبالغ الهائلة، والإمكانيات الجبارة، وحاكوا ما حكوا، ولكنهم عادوا بخفي حُنين -بل ربما بواحد فقط- ما نسجوه كان أشبه ببيت العنكبوت في وهنه، وكالشجرة الخبيثة في عدم استقرارها. رحم الله المواطن السعودي جمال خاشقجي، وألهم أهله الصبر والسلوان، كنتُ أتساءل عن سبب الاهتمام العالمي بقضية اختفائه للدرجة التي كانت عليه، وفي نفس الوقت كنت أتأمل الموقف الرسمي للمملكة العربية السعودية التي لم تدخر جهداً في البحث عن الحقيقة إلا وبذلته، ولم تدخر مجالاً للتعاون إلا جاءت به. فتحتْ أبواب قنصليتها في تركيا لأجل الحقيقة -رغم أن المبنى يخضع لإشرافها لا غيرها-، وأرسلت فريقاً كاملاً لأجل التحقيق، وتعاونت مع الجانب التركي، ومستعدة للتعاون مع غيره في سبيل بلوغ الحقيقة، وإرساء الحق، لكن الأعداء كانوا مثل القردة الثلاثة، فلم يكونوا يرون ذلك التعاون، ولم يكونوا يسمعون ما تتحدث به بكل وضوح حول البحث عن الحقيقة، ولن يتحدثوا عن ما اتخذته المملكة من قرارات كبيرة حيال القضية، من إعفاءات مسؤولين على مستوى عالٍ، ومن توقيف كل من يُحتمل ضلوعه في القضية. هنالك العديد من الدروس المستفادة من القضية، أهمها ما تم تأكيده من نهج للدولة في ترسيخ أسس العدل، معرفة أعداء العدالة والوطن ممن استغلوا غموض القضية في محاولة النيل من الوطن الغالي، وسارعوا في بث الشُبه، ونشر الشائعات، والتغني بالتكهنات، والتحليلات التي لا تستند على أقل مستوى من المهنية، ولا لها أي علاقة بالحرفية. إعفاء أكثر من مسؤول عالي المستوى في جهات مهمة مثل الإعلام والاستخبارات ليس سوى حجر في فم كل بوق حاول الإساءة للمملكة وباء بالفشل، التحرك بتشكيل لجنة وزارية لإعادة هيكلة رئاسة الاستخبارات العامة لدليل على استمرار نهج الحزم بكل عزم وثبات، إن ما صرح به النائب العام ليس سوى دليل جديد على أهمية العدل في هذا الوطن، ولا أنسى أن أشيد بالشفافية التي تجلت في التصريح بأن الموقوفين كافة من أصحاب الجنسية السعودية. التحقيقات الأولية أظهرت نتائجها، وما زالت في مرحلة مبكرة للكشف عن ملابسات القضية بشكل كامل، وسيتم توضيح تلك الحقائق بعد التحري المبني على المهنية المعهودة. دمت يا وطني رمزاً للعدالة كعادتك، وعقلاً للعقلانية بثقتك، وناصراً للمظلوم بعدلك. Your browser does not support the video tag.