يتغنى بقصص الأولين ويمجّد شخصيات ويتعلق بكل ما له علاقة بها، فإن وجد معلومة عنها لم توافق هواه ولم يعرفها من قبل بحث لها عن مبررات وقد تكون له ردة فعل عكسية أو قد يقدح في الرواية كونها لم توافق هواه. نرى هذا الأمر بين الكثير خصوصاً الشباب، والمعضلة تكون عندما نجدها بين القرّاء والمتخصصين في التاريخ كونهم يتعاملون مع التاريخ كحدث أو قصة، فهم يعتقدون أن التاريخ معلومة فقط وليست معرفة أيضاً. قولنا إن المسلمين فتحوا بلاد الشام وأسقطوا الفرس في الفتوحات الإسلامية المبكرة - فهذه معلومة تاريخية- لكن إن تساءلنا لماذا فتح المسلمون بلاد الشام وحاربوا الفرس الساسانيين وبيزنطة فإن هذا التساؤل سيقود إلى المعرفة التاريخية، ومثال آخر عندما نتساءل عن سبب فتح المسلمين للأندلس فسنصل إلى المعرفة فيها بهذا الأمر!. يتعامل البعض مع التاريخ كمعلومة للتسلية والمتعة، ويعتقد أن الفائدة منه في الاتعاظ من دروس الماضي، لكن فائدة التاريخ هي أعمق من ذلك بكثير، لذا فيجب أن يكون الهدف للدارس أو القارئ للتاريخ هي المعرفة التاريخية لا المعلومة التاريخية. لو سألنا أحدهم عن سبب فتح المسلمين لبلاد فارس وبيزنطة لحصر السبب في نشر الإسلام وإعلاء كلمة الله، ثم إن سألته عن سبب عدم فتحهم لأفريقيا ولماذا لم يعلوا كلمة الله فيها أو لماذا لم يفتحوا بلاد الحبشة، والعبور إليها قد يكون أسهل من العبور عبر مضيق جبل طارق، لم يجد الإجابة. وكذلك لو سألته عن المقولة المشهورة لعقبة بن نافع عندما قال «يا رب! لولا هذا البحر لمضيت في البلاد مجاهداً في سبيلك» لماذا أراد خوض المحيط الأطلسي وقد كان مجهولً ما خلفه بينما كانت الأندلس أقرب إليه ومعلوماً ما فيها، ولماذا لم ينزل إلى جنوب المغرب لفتحها ويتعمق في أفريقيا. إن البحث عن الكيفية والسبب يساعدنا في فهم كثير من الأحداث التاريخية وسيساعدنا على الاستفادة من هذه المعرفة في حاضرنا ومستقبلنا، لذا فإنه من المستحيل أن تجد سياسياً محنكاً لا يفقه في التاريخ ويعي أحداثه وأبعاده ولنا في ذلك خير مثال معاصر في شخص خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-. يجب على معلم التاريخ أو الكاتب والباحث أن يضع نصب عينيه المعرفة التاريخية لا المعلومة التاريخية فقط. والوصول إلى «المعرفة» يكون من خلال «التفكير» «بالمعلومة». Your browser does not support the video tag.