لم يمض على احتفال المملكة بيومها الوطني الثامن والثمانين إلا بضعة أيام إلا وسعدنا بحديث شامل وتفصيلي لسمو الأمير محمد بن سلمان ولي العهد إلى شبكة بلومبيرغ تحدث فيه بكل شفافية ووضوح عن مستقبل هذا الوطن والكثير مما يهم أبناءه.. أجاب سمو ولي العهد على العديد من الأسئلة خاصة بعد التصريحات المتكررة للرئيس الأميركي دونالد ترمب حول حماية المملكة وأنها لا تستطيع أن تصمد أكثر من أسبوعين دون دعم ومساندة الولاياتالمتحدة لها. وبالرغم من أهمية هذا الحديث الشامل لسمو ولي العهد وتناوله لمجموعة من النقاط المهمة التي تشغل عقل وفكر المواطن إلا أنني سأركز على نقطة مهمة كانت مثار التأويلات والتخرصات غير الدقيقة حول طبيعة العلاقات السعودية الأميركية. فهذه العلاقات عميقة الجذور نعم، حيث تعود لأكثر من ستين عاماً وتزداد عمقاً ورسوخاً عاماً بعد آخر، ولا تحددها أهواء الأشخاص ورغباتهم، وإنما تبنى على المصالح المشتركة، فإذا كانت تصريحات الرئيس ترامب جاءت بهدف دعم مرشحي حزبه في الانتخابات النصفية فهي شأن داخلي لن يؤثر على هذه العلاقات المتينة بين البلدين، ثم أن الدولة السعودية وكما أشار سمو ولي العهد دولة تضرب أطنابها في جذور التاريخ، «فالسعودية كانت موجودة قبل الولاياتالمتحدة الأميركية بأكثر من 30 عاماً». لم تنشأ بانقلاب عسكري، ولم تتكون بناء على مؤامرات داخلية أو خارجية وإنما كان تأسيسها قبل أكثر من ثلاث مئة عام، واستمرت دولة قوية متماسكة، فهي ليست بيتاً من زجاج يسهل اختراقه وتدميره، فلطالما حاول الطامعون والحاقدون بكل الوسائل النيل من وحدتها، والتشكيك في ولاء أبنائها، ولكنها في كل مرة تعود أكثر قوة وتماسكاً، لينعم أفرادها بالأمن والاستقرار. هذه الدولة ليست خياراً وقتياً يتغير مع الزمن، أو يتحول مع تغير الولاءات والأسماء إنما هو خيار أبنائها الذين لا يرضون عن آل سعود بديلاً، يعيشون في كنف هذه الدولة أسرة متآلفة يجمعهم وحدة المصير والهدف. علاقات المملكة مع الولاياتالمتحدة الأميركية علاقات راسخة وقوية، ولكنها لا تعني فرض الوصاية من قبل أي دولة كانت، أو التعريض بها في كل محفل، ونستذكر هنا رد سمو ولي العهد الذكي واللماح على تصريحات الرئيس ترمب حول هذا الموضوع حيث قال حفظه الله (في الواقع لن ندفع شيئًا مقابل أمننا، نعتقد أن جميع الأسلحة التي حصلنا عليها من الولاياتالمتحدة الأميركية قد دفعنا من أجلها، إنها ليست أسلحة مجانية). ولم يغفل سمو ولي العهد بدبلوماسته وقراءته الدقيقة للأحداث من التأكيد على تقديره للرئيس ترمب فهو اختار المملكة كأول دولة لزيارتها بعد تنصيبه رئيساً، ودعم التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب حيث قال سموه «أنا أحب العمل معه، أنا حقاً أحب العمل معه، وقد حققنا كثيراً في الشرق الأوسط خصوصًا ضد التطرف والأيديولوجيات المتطرفة.. ولدينا استثمارات ضخمة بين كلا البلدين، ولدينا تحسن في تجارتنا والكثير من الإنجازات». وإذا كان الرئيس ترامب تحدث إلى ناخبي حزبه في مناسبات متعددة فهو تأكيد على أهمية العلاقة مع المملكة وليس تقليلاً من شأنها، ودائماً ما نرى في الحملات الانتخابية الأميركية الكثير من الوعود والتصريحات الوقتية التي تتناقض مع الواقع ليس في العلاقات مع الدول فقط ولكن حتى في الشأن الداخلي الأميركي. إن حديث سمو ولي العهد يتطلب تحليلات كثيرة لقراءة مضامينه المتنوعة ليس في شأن العلاقات الخارجية فقط، ولكن حتى في طموحاته نحو مستقبل هذه البلاد ورفاهية أبنائها. Your browser does not support the video tag.