الذهب يتكبد خسائر فادحة مع ارتفاع الدولار ومخاطر الأصول    السعودية بصدد إطلاق مبادرة للذكاء الاصطناعي ب 100 مليار دولار    ارتفاع عدد ركاب النقل العام بالحافلات بنسبة 176% لعام 2023    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم عددا من قرى الشعراوية شمال طولكرم    أمطار رعدية متوسطة إلى غزيرة على عدد من المناطق    الجسر الجوي الإغاثي السعودي إلى لبنان يتواصل بمغادرة الطائرة الإغاثية ال 20    هاريس تلقي خطاب هزيمتها وتحض على قبول النتائج    منتخب الطائرة يواجه تونس في ربع نهائي "عربي 23"    العام الثقافي السعودي الصيني 2025    الإعلام السعودي.. أدوار متقدمة    المريد ماذا يريد؟    234.92 مليار ريال قيمة ترسية المشاريع    ترمب.. صيّاد الفرص الضائعة!    ترمب.. ولاية ثانية مختلفة    إيلون ماسك: خطط خارقة للمستقبل    طرح سوق الحراج بالدمام للاستثمار بالمشاركة في الدخل    الاتحاد يصطدم بالعروبة.. والشباب يتحدى الخلود    هل يظهر سعود للمرة الثالثة في «الدوري الأوروبي» ؟    الإصابات تضرب مفاصل «الفرسان» قبل مواجهة ضمك    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    القبض على مخالفين ومقيم روجوا 8.6 كيلو كوكايين في جدة    أربعينية قطّعت أمها أوصالاً ووضعتها على الشواية    قصص مرعبة بسبب المقالي الهوائية تثير قلق بريطانيا    «البيئة» تحذّر من بيع مخططات على الأراضي الزراعية    «بنان».. سفير ثقافي لحِرف الأجداد    السينما السعودية.. شغف الماضي وأفق المستقبل    اللسان العربي في خطر    البنوك المركزية بين الاستقلالية والتدخل الحكومي    ربَّ ضارة نافعة.. الألم والإجهاد مفيدان لهذا السبب    الجلوس المطوّل.. خطر جديد على صحة جيل الألفية    القابلة الأجنبية في برامج الواقع العربية    سيادة القانون ركيزة أساسية لازدهار الدول    درّاجات إسعافية تُنقذ حياة سبعيني    رينارد يعلن قائمة الأخضر لمواجهتي أستراليا وإندونيسيا في تصفيات مونديال 2026    الإصابة تغيب نيمار شهرين    التعاون يتغلب على ألتين أسير    العين الإماراتي يقيل كريسبو    الدراما والواقع    يتحدث بطلاقة    «الجناح السعودي في اليونسكو» يتيح للعالم فرصة التعرف على ثقافة الإبل    ليل عروس الشمال    التعاطي مع الواقع    «متمم» يناقش التحوُّط المالي في المنشآت التجارية    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    التكامل الصحي وفوضى منصات التواصل    تقاعد وأنت بصحة جيدة    الأنشطة الرياضية «مضاد حيوي» ضد الجريمة    وزير الحرس يحضر عرضًا عسكريًا لأنظمة وأسلحة وزارة الدفاع الكورية    الداخلية: انخفاض وفيات حوادث الطرق بنسبة 50%    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    محافظ الطائف يعقد اجتماع مجلس اللجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم    أمير تبوك يستقبل القنصل الإندونيسي    تطوير الشرقية تشارك في المنتدى الحضري العالمي    نائب أمير الرياض يؤدي الصلاة على والدة مضاوي بنت تركي    فلسفة الألم (2)    سلام مزيف    همسات في آذان بعض الأزواج    دشنها رئيس هيئة الترفيه في الرياض.. استديوهات جديدة لتعزيز صناعة الإنتاج السينمائي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين ماضي وحاضر المملكة.. اليوم الوطني 88: فرح بوعد المستقبل
نشر في الرياض يوم 13 - 01 - 1440

ربما نتساءل اليوم، ونحن نستشرف أجواء الاحتفال بذكرى اليوم الوطني 88 ماذا يعني احتفالنا بهذا اليوم، وكيف نتمثله في حاضرنا، وهل نقرأ دلالاته من جديد في ضوء المنجزات التي حققناها عبر مقارنتها بما مضى من سنوات للتعرف على مقاييس التطور التي حدثت في بلادنا الغالية، والانطلاق منها إلى مجالات أوسع ليصل مجتمعنا إلى القمة؛ وهذه القراءة، تعني أيضاً، استحضاراً للماضي والفخر به، والقناعة بالحاضر والتمسك به، والعمل بروح الاستشعار والفرح للمستقبل المشرق لبلادنا الغالية.
لقد ظل اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية يشكل امتدادا لتعاهد الإمامين الجليلين الإمام محمد بن سعود والإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب -رحمهما الله تعالى- فيما يعرف باتفاق الدرعية التاريخي عام 1157 ه، والذي شكل اللبنة الأساس للدولة السعودية الأولى، حيث مثل هذا الاتفاق بداية لنهضة دينية وسياسية كبرى في شبه الجزيرة العربية، فنشأت حركة سياسية جمعت فيها المدن والقرى المتناثرة في منطقة نجد، ووحدت القبائل المتنازعة تحت لواء وشعار واحد هو راية «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، وكانت النتيجة أن بدأت هذه المدن والقرى تنعم بالأمن والاستقرار الذي افتقدته طويلا.
لقد كان التعاون الوثيق بين الإمامين محمد بن سعود ومحمد بن عبدالوهاب -رحمهما الله تعالى- هو الذي حول بلدة الدرعية من مجرد إمارة صغيرة إلى دولة قوية مترامية الأطراف في فترة زمنية قصيرة تنعم بنظام إداري متكامل مستمد من كتاب الله وسنة رسوله، بعيداً عن الاحتكام إلى سياسة القوة أو العشيرة، أساسه التعليم وتبليغ رسالة الدولة للجميع وفق أحكام الشريعة الإسلامية.
ولكن، بعد أن تكالبت الضغوط الخارجية على الدولة السعودية الأولى، وحاول الطامعون والحاقدون القضاء عليها، عادت مرة أخرى أكثر قوةً وتماسكاً من خلال الدولة السعودية الثانية، التي تعرضت لتحديات داخلية ومؤامرات خارجية كانت أكبر من إمكاناتها، ما أدى في النهاية إلى غيابها عن مسرح الأحداث لفترة من الزمن كانت كافية لظهور الدولة السعودية الثالثة التي انتظرها أبناء هذه الجزيرة على وعد تحقق بقيام دولة الدين والدولة والأمن والاستقرار ممثلةً في آل سعود بعودة الملك المظفر عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- ليؤسس الدولة السعودية الثالثة، والتي كانت كعودة الروح للجسد، فاستبشر به الجميع، وناصروه حتى أكمل مسيرة التوحيد على مدى اثنين وثلاثين عاماً. فكانت هذه العودة المباركة تحت مسمى المملكة العربية السعودية في السابع عشر من شهر جمادى الأولى عام 1351ه الموافق التاسع عشر من شهر سبتمبر عام 1932م، والذي يوافق الأول من الميزان، ليعيد المجد لهذه البلاد، فاحتفل به الصغار قبل الكبار فرحاً بعودة الأمن والاستقرار لهذه الدولة التي أرسى دعائمها آل سعود قبل أكثر من 350 عاما، وليكون يوم التوحيد هو اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية.
واليوم، فيما نحن نحتفل باليوم الوطني الثامن والثمانين للدولة السعودية الثالثة، نستذكر تاريخ مسيرة التوحيد المظفرة لنستمد منها قوتنا نحو المستقبل. هذه المسيرة التي رسخت أعواماً طوالاً من الرخاء والوحدة والتآلف بين جميع أفراد وطوائف المجتمع. فكانت هذه الوحدة الفريدة التي لم تكن وحدة عادية بل ساندها وزاد من أواصرها التمسك بالأسس الصحيحة للدين الإسلامي.
وفي أجواء هذا اليوم الذي نستعيد فيه ذكرى اللحظات التأسيسية المستعادة ليوم الوطن في ذكراه الثامنة والثمانين، كان لابد من استبصار دلالات ومعاني كثيرة لتلك المسيرة الطويلة من تاريخنا المعاصر عبر طرح عدد من الأسئلة المتصلة بمغزى هذا اليوم، وتأثيره على استمرار الاعتزاز بهذه الوحدة الفريدة.
توجهت «الرياض» إلى عدد من الباحثين والمختصين والمهتمين بتاريخ المملكة العربية السعودية؛ من أجل استذكار هذا اليوم التاريخي، وما يمكن استلهامه منه من عناصر القوة ومقومات الوحدة التي صنعت ذلك اليوم المجيد وظلت باقية وفريدة بمستوى وحدة وتناغم قل نظيره في عالمنا المعاصر رغم ما تعرضت له تلك الوحدة من مؤامرات وتحديات داخلية وخارجية، منذ بدايات الدولة السعودية الأولى وحتى تأسيس الدولة السعودية الثالثة؛ وكانت هذه الأسئلة:
* كيف يمكننا اليوم تثمين الأسس التي قامت عليها حركة الإمام محمد بن عبدالوهاب الإصلاحية ومساندة الإمام محمد بن سعود -رحمهما الله- وما كشفت عنه تلك الأسس من تعاون فريد أقام أول وحدة وطنية في جزيرة العرب، بعد ألف عام من العزلة؟
* رغم المؤامرات التي أجهضت التجربتين الأولى والثانية للدولة السعودية، ظل ولاء أهل الجزيرة باقياً لآل سعود،حتى تجدد مرة أخرى، مع قيام الدولة السعودية الثالثة.
* ما طبيعة ذلك الولاء الفريد الذي كشف عنه أبناء هذا الوطن عبر تلاحم قل نظيره بالمجتمعات المعاصرة؟
o حين نستحضر ذكرى اليوم الوطني في كل عام، ما شروط ترسيخ تلك الوحدة واستيعاب مفاهيمها لدى ابناء الجيل القادم؟
o إذا كان اليوم الوطني يستدعي بالضرورة إحياءً لقيم الوحدة واستلهاماً لمعانيها بنفوس الأجيال المعاصرة من شباب الوطن، وتجديداً مستمراً للحظات ذلك التاريخ المجيد عبر ربطها بتحديات الحاضر وآفاق المستقبل، فما أبرز الجوانب التي ينبغي التركيز عليها في مثل هذا اليوم؟
o ظل شعار الدولة المستمر هو «بناء المستقبل لمصلحة الأجيال».. وجاءت رؤية المملكة 2030 لنقل مجتمعنا من الاقتصار على مصدر دخل واحد، إلى تنويع مصادر الدخل وبناء مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر في وطن طموح ومرحلة جديدة لاستشراف المستقبل، كيف يمكن ربط هذه الرؤية المستقبلية الطموحة بماضي الدولة السعودية العظيم منذ بدايات التأسيس وحتى عصرنا الحاضر؟
* الشباب السعودي يمثل ما يزيد عن خمسة وستين في المائة من الشعب، ما يعني أنهم حجر الزاوية في عملية التطور التي تقتضي تعليمه وتدريبه وتأهيله في كافة مراحل التعليم، واكسابه الكثير من المهارات والقدرات للقيام بدوره في البناء والتطور، ماعلاقة الاهتمام بالشباب في ترسيخ استمرار وقوة هذه الدولة، وزيادة تأثيرها اقليمياً ودولياً؟
وللتحاور حول هذه الأسئلة استضافت «الرياض» كل من الأستاذ حسين بن عبدالرحمن العذل - الأمين العام للغرفة التجارية والصناعية بالرياض سابقا، ومن قسم التاريخ بجامعة الإمام محمد بن سعود كل من الأستاذ الدكتور عبدالله ابن عبدالرحمن الربيعي، والأستاذ الدكتور عبداللطيف بن محمد الحميد، والباحث في الأديان المقارنة وتاريخ الحضارات الأستاذ سلطان بن موسى الموسى..
لم تكن الإجابة على هذه الأسئلة مرتبة بالطريقة التقليدية المعتادة، ولذلك تركنا الضيوف المشاركين يسترسلون بإجاباتهم حول معاني اليوم الوطني والوحدة والتلاحم الذي يمثله للوطن استلهاما من التاريخ المجيد لهذه الدولة في مراحلها الثلاث.
شمعة البناء الأولى
وفي البداية تحدث الأستاذ حسين العذل قائلا: بأن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب التي تبلورت نتيجة لرؤيته العلمية، كانت هي الشمعة الاولى ولبنة التأسيس لهذا الكيان الذي نتفيأ ظلاله الوارفة في نسخته الثالثة التي اكتملت بها المسيرة بما يفوق المرحلتين السابقتين. كانت المعادلة واضحه؛ بين عالم دعا إلى نقاء العقيدة وتفعيل مبادئها، وأمير لبى تلك الدعوة وتحمس لها، دون أن يكون التوسع في الحكم هدفاً له، ولكنه كان الوسيلة الوحيدة الفاعلة آنذاك لنشر تلك العقيدة. ويضيف العذل قائلا: ولأن ولاية الأمر لا تتجزأ فلقد تمثل دور الإمام محمد بن سعود في ولاية الأمر، فيما تمثل دور الشيخ محمد بن عبد الوهاب في تصحيح المفاهيم والممارسات الدينية الخاطئة، فكان بمثابة رئيس البرلمان في التنظيمات السياسية الحديثة. وهذا ما أزال شبح ولاية الفقيه والتسلط باسم الدين الذي وقعت فيه مجتمعات أخرى.
من ناحيته، أكد الباحث في الأديان المقارنة وتاريخ الحضارات الأستاذ سلطان الموسى، بقوله: كان تأسيس الدولة السعودية الأولى نتيجة الرغبة الصادقة للإمام محمد بن سعود واتفاقها مع الأسس النظرية التي كان يدعو لها الشيخ محمد بن عبدالوهاب لتبدأ رحلة الدعوة إلى سبيل الله، فكان لهما القبول من أهالي هذه الأرض المباركة، وبناء دولة تضمن الأمن للخائف وكفاية الرزق للجائع والفقير والعاجز.
فيما قال الأستاذ الدكتور عبدالله الربيعي: كان دخول الملك عبد العزيز لمكة المكرمة والمدينة المنورة نقطة تحول في تاريخ هذه البلاد المقدسة؛ فالملك عبدالعزيز أملى دستور بلاده وصاغته الجمعية العمومية ونشر في الجريدة الرسمية 21 صفر 1345ه/31 أغسطس 1926م، وبذلك ظلت «المملكة مرتبطة بعضها ببعض ارتباطا لا يقبل التجزئة، وأنها دولة ملكية شورية إسلامية مستقلة. وجميع أحكامها منطبقة على كتاب الله وسنة رسوله وما كان عليه الصحابة والسلف الصالح. وفي عام 1351ه/1932م، استجاب الملك عبدالعزيز لرغبة الشعب فأمر بتغيير اسم «المملكة الحجازية النجدية وملحقاتها» إلى «المملكة العربية السعودية» كما يقول المؤرخ خير الدين الزركلي.
الولاء للوحدة دائما
وحيال طبيعة ذلك الولاء الفريد الذي كشف عنه أبناء هذا الوطن يؤكد الأستاذ سلطان الموسى بقوله: أبناء هذه البلاد توارثوا الولاء والانتماء كابراً عن كابر لهذه الوحدة العظيمة لعدة أسباب منها: أن من أقام هذه الوحدة المباركة لم يكن أجنبياً غريباً، وإنما هو ابن لهذه الأرض وفرد من هذا المجتمع. سعى إلى تخليصه من الفوضى والشتات؛ فوحد البلاد بالكامل وضم شتاتها. وأما السبب الثاني فهو أن أبناء هذه الأرض اليوم هم أحفاد أولئك الرجال الذين عاهدوا الإمامين على السمع والطاعة. وهم كذلك أبناء الذين توافقوا شعبياً منذ أكثر من قرنين على أن يجعلوا قيادتهم في هذه الأسرة المباركة، ليتحقق معنى الاستقرار السياسي الذي ينعكس بدوره على الرفاه الاقتصادي والازدهار المجتمعي، لهذا يؤمن السعودي أن الولاء للوحدة هو من أوجب الواجبات لأنه يعرف أن المناورة حولها والتلاعب بمبادئها لن يورده سوى ما ورد عليه من حولنا بعد أن تخلوا عن الأعمدة التي ترفع خيمة أوطانهم.
تعزيز الوحدة الوطنية
فيما يرى الأستاذ حسين العذل السبب متمثلا بالمبادئ التي كانت واضحة وتنطلق من أسس معلنه؛ فتحكيم الشريعة جعل كل مواطن يشعر بأن الشرع كان الحد الفاصل عند الاختلاف فمن ممارسات الملك عبدالعزيز أنه عندما يقول له شخص (أبغى الشرع) كان الملك عبد العزيز يجيبه بالقول «أفلحت يا ولدي، خذوه للشيخ ابن عتيق» وقد كان ابن عتيق أحد قضاة الرياض وأشهرهم في حينه؛ ماذا يريد المواطن أكثر من ذلك؟
وحول ما يجب القيام به لتعزيز مفاهيم الوحدة في نفوس أبناء الجيل القادم يقول الأستاذ سلطان الموسى: لابد من التأكيد دائماً على أن هدف الوحدة كان من أجلنا. من أجل أمننا. ومن أجل رخائنا. ومن أجل سلامة ديننا؛ والعمل على صناعة برامج ومشاريع اجتماعية وفكرية دائمة تربط الأطفال والجيل الناشئ والشباب بعراقة تاريخ أجدادهم، وتعزز الهوية السعودية الجامعة في مناطق المملكة كافة.
وعن ذات المحور، يجيب الأستاذ حسين العذل مؤكداً على ضرورة تعزيز الانتماء وإذابة أي حواجز مناطقيه مصطنعة واعتماد الكفاءة كمعيار وحيد، والاستفادة من تجربتنا الرائدة في مناطق التجمع السكاني المشترك، كالرياض وجدة والدمام، حيث تتعايش جميع ألوان الطيف السكاني بتناغم ووئام توحدهم الهوية الوطنية والاعتزاز بالانتماء، علماً بأن المدارس بجميع مراحلها قد قاربت بين اللهجات وأصبح من الصعب تمييز منطقة نشأة المواطن من الوهلة الاولى؛ مما يقلل من النفور غير المبرر بسبب اللهجة. كما أن التزاوج بين المواطنين الذي تخطى حدود القرية والمدينة والإقليم ساعد كثيراً على تقوية اللحمة الوطنية، ناهيك عن الانتقال بحكم الوظيفة أو بسبب الدراسة من منطقة الى أخرى.
استلهام القيم في ذكرى اليوم الوطني
وفيما يخص الجوانب التي ينبغي التركيز عليها في استلهام قيم اليوم الوطني يقول الأستاذ سلطان الموسى: إن من أهم الجوانب التي ينبغي التركيز عليها في استلهام قيم اليوم الوطني هي في إشاعة الفرح مرة ومرتين وثلاثاً. نشر الفرح في اليوم الوطني في الساحات والميادين والمجمعات هو ما يسم هذا اليوم في وجدان الصغار، ويجعلهم يكبرون على حبه، ليتشربوه فخراً وولاءً وانتماءً في شبابهم وكهولتهم. كذلك تحميل وسائل الإعلام المختلفة بالرسائل المباشرة وغير المباشرة التي تتحدث عن أهمية هذا اليوم العظيم في تاريخ أمتنا؛ وتخصيص اليوم التالي من الدراسة لتناول مآثر وخصائص أولئك الرجال الأفذاذ الذين تحققت الوحدة على يديهم بقيادة البطل الأسطوري عبدالعزيز بن عبدالرحمن.
أما الأستاذ حسين العذل فيقترح عرض صورة الماضي بأسلوب شيق من خلال أعمال فنية مرئية ومسموعة تشرح كيف تغلبت الأجيال السابقة على الحواجز، عبر استعراض تجارب بعض الأشخاص ممن لهم تاريخ ناجح بتعزيز الروابط وإزالة الحواجز فنحن من خلال ذلك نقول لمن سبق أن أحسن أحسنت، ونحبب مثل تلك الأعمال للناشئة عن طريق الإشادة بالقدوة الحسنة، والأدب والشعر الشعبيين مليئين بالأمثلة الحية.
إنجازات الماضي وفرص المستقبل
وعن ربط تطلعات رؤية المملكة 2030 بماضيها الزاهر فقال الأستاذ العذل: منذ مراحل التأسيس الأولى استقرت الدولة في وجدان المواطن الأول لأنها منه وإليه، لم تستورد مبادئ من الخارج ولا تدين لغريب مهما بلغت سطوته. ولذا كانت الدولة أقرب ما تكون الى وجدان المواطن وقت الشدة والشح الاقتصادي، فكيف ونحن اليوم ننعم برخاء ونمو اقتصادي وقيادة شابه ولدت في رحم الوطن لتقول للجميع: لنواكب متطلبات العصر بجهد وفكر الشباب الذين تخرجوا من مدرسة هذا المجتمع فآن لجيل الرواد الشيوخ أن يرتاح ويقطف ثمرات زرعه واستثماره في جيل الأبناء، وكأن الوطن يردد لمن يسأله كيف ستواجه الحاضر والمستقبل فيقول ما قال عمرو بن كلثوم: بفتيان يرون الموت مجداً وشيب في الحروب مجربينا
فيما يجيب عن السؤال ذاته الأستاذ سلطان الموسى قائلا: المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها وهي تنتقل من نجاح إلى نجاح. وتتغلب على تحد لتواجه آخر. دولتنا منذ توحيدها على يد المؤسس العظيم ظلت تسعى للأمام بدفع من إنجازات الماضي وفرص المستقبل. تعيش الحاضر، لكنها كانت على الدوام تصوب نظرة عينيها للأفق الممتد. وفي كل مرحلة من مراحلها كان هناك مشروع ينقلها بضعة عقود للإمام. وكان أبرز ما يسهم في إنجاح هذه المشاريع الماضية إيمان شعبنا بها، واليوم تستمد رؤية 2030 بنيتها الأساسية من ثلاثة قواعد رئيسية: الأولى قوة وحكمة عرابها وقائدها الأمير محمد بن سلمان، والثانية التفاف المواطنين حولها، والثالثة الحاجة الملحة لها في عالم متقلب متغير.
وأخيراً، علق الأستاذ حسين العذل، الأمين السابق للغرفة التجارية الصناعية بالرياض، على السؤال السادس والأخير حيال دور الشباب وعلاقتهم ببناء الدولة في المملكة قائلاً: في بداية سنوات الرخاء والاستقرار اتجه الناس إلى تكوين الأسرة الكبيرة بالإكثار من البنين والبنات بسن متقاربه فأصبح مقابل كل مسن ومسنة كماً كبيراً من الاولاد والبنات. ومع تقدم الحالة الصحية والرخاء وحسن التغذية والأمن ارتفع متوسط عمر الفرد؛ فعاش الجيل السابق، جنباً إلى جنب مع الأبناء والبنات والأحفاد، وأصبحت نسبة المسنين إلى الشباب تصل 1 إلى 6؛ لذا أصبح متوسط الأعمار منحصراً في الشباب بسبب كبر شريحة الابناء والبنات والاحفاد. ولقد استثمرت البلاد في شبابها وشاباتها إلى أن أينع الثمر وحان القطاف، وتسلم الشباب والشابات الأمانة ولله الحمد؛ بسبب التهيئة والتحضير وها هم الآن يرعونها حق رعايتها؛ فنام جيل الرواد، وهم متأكدون بأن الوطن في أيادٍ أمينة. كما قال الشاعر:
وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان علمه أبوهُ
وبدوره، أجاب الأستاذ سلطان بن موسى الموسى، الباحث في الأديان المقارنة وتاريخ الحضارات جواباً على السؤال الأخير حول دور الشباب، قائلاً: الشباب هم عماد المستقبل. والاستثمار فيهم استثمار في مستقبل الوطن. فالمعرفة التي نزرعها اليوم بعقول الشباب، ستثمر بلا شك في الغد في باحات الوطن ومساجده ومصانعه وبيوته. الشباب اليوم ليسوا فقط مثالاً للقوة والحيوية والمرونة، وإنما هم رمز لوطن يكبر بهم ويكبرون به، ثم يعود هذا الوطن من جديد ليأخذ بأيدي شباب جدد آخرين عبر رؤى جديدة وبرامج مستحدثة ليعبر بهم حاضرهم الزاهي إلى مستقبل أزهى، وهكذا مع كل دورة تاريخية جديدة تكبر أحلامنا وتتعدى رؤانا ويبقى الوطن بالقلب والعقل.
200 عام على اختيار الرياض عاصمة للدولة السعودية
وفي سياق استشهاداته بالأحداث التاريخية عبر رؤى المؤرخين في الأدوار الجديدة التي لعبتها الدولة السعودية الثالثة والتي عرفت كيف تثبت قواعدها الراسخة من خلال رؤية الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود ، يقول الأستاذ الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن الربيعي عبر مداخلته الثانية نقلاً عن المؤرخ عبدالرحمن الرويشد في كتابه «تاريخ الراية السعودية» حيث يقول الأخير في ذلك الكتاب :(صدر أمر سامي في 12 من المحرم عام 1357ه/13 مارس1938م يوصف العلم السعودي « لونه أخضر مستطيل الشكل عرضه يساوي طوله تتوسطه الشهادتان لا إله إلا الله محمد رسول الله» وتحتها السيف المسلول باللون الأبيض» ويستطرد الأستاذ الدكتور الربيعي بالقول: من رمزية الاسم ودلالة الراية يتضح أن لهذا الوطن ثوابت لا تهزها رياح. ومن الصدف الجميلة أن يشهد هذا العام الهجري الجديد ذكرى اليوم الوطني، إلى جانب مرور مائتي عام على اتخاذ الرياض عاصمة للدولة السعودية. ومن يستقرئ تاريخ الجزيرة العربية الحديث يجد أن قيام الدولة السعودية في الدرعية جاء بعد قرون من التهميش والضياع والجهل في كل البقاع فكان لابد من دولة تلم الشتات وتقضي على الجهل ونجحت في ذلك؛ الأمر الذي جعل الأعداء يرسلون الغزاة الذين هدموا الدرعية ولكنهم لم يستطيعوا محو الدولة من نفوس العرب السعوديين الذين انطلقوا من جديد لتستمر الدولة السعودية من الرياض عاصمة أبدية لدولة خالدة.
وفي ختام حديثه عن ذكرى اليوم الوطني يواصل الأستاذ الدكتور عبدالله الربيعي حديثه قائلاً: مرت الدولة السعودية قبل عام 1319ه/1902م، بهزات سياسية بسبب قوى الشتات التي كانت دمى بأيدي أجنبية، لكن الله قيض لهذه البلاد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، الذي تتبع السلبيات التي أدت إلى كوارث عانى منها الناس، وأدرك الايجابيات التي سخرها لبناء دولة ممتدة الجذور لكنها حديثة في تكوينها وتمدينها فمنحها قوة الصمود ضد أعداء التطوير والإصلاح. إنا نفخر بتاريخنا الوطني الذي يعتبر تتويجا لتاريخنا العربي الإسلامي وحضارته.
ما أود تأكيده بصفتي أكاديمياً أمضى جل عمره في خدمة تاريخ وطنه وحضارته؛ أن ازدهار هذه المملكة صمام أمان للعرب والمسلمين والعالم أجمع. وأن أمنها واستقرارها مطلب عالمي لا إقليمي فحسب؛ لذا فلن يجرؤ أحد على طمس هذه الحقيقة. وستظل مؤثرة في الساحة الدولية رغم قوى الطائفية والعصابات المتخلفة التي تقتات على الثأرات والشعارات الزائفة.
المشروع الوحدوي للمملكة انطلق من الدرعية
وعلق الأستاذ الدكتور عبد اللطيف بن محمد الحميد حول محاور هذه الأسئلة الاستشرافية عن دلالات اليوم الوطني في الماضي والحاضر قائلاً: في هذا اليوم 23 سبتمبر تحل الذكرى 88 لقيام المملكة العربية السعودية بقيادة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله، امتداداً للمشروع الوحدوي الذي انطلق من الدرعية في قلب جزيرة العرب وامتد عبر معظم مساحة الجزيرة العربية في دولة جديدة موحدة غير مرتبطة بأي قوى خارجية أو دولية. فهي وحدة لم تتم في جزيرة العرب منذ قيام الدولة الإسلامية الأولى في القرون الهجرية الثلاثة الأولى، إلا في القرن الثاني عشر الهجري. وكانت عوامل النجاح التي رصدها المؤرخون لحقبة قيام الدولة السعودية الأولى ثم الثانية «مدّة قرن ونصف» هو وضوح مشروعها الوحدوي على أسس ثابتة ومقومات صحيحة ورؤية مباركة على كتاب الله وسنة نبيه ورغبة وولاء عموم سكان البلاد السعودية بأقاليمها ونواحيها ومدنها وقراها. هذه العوامل وغيرها جعلت هذه الوحدة الجديدة الفريدة في العالم الإسلامي جديرة بالتأمل والاقتداء. ولذلك حينما عصفت بها القوى الأجنبية تصدت لها في البداية واستطاعت حتى بعد التغلب عليها بسبب اختلاف موازين القوى النهوض مرة أخرى بشكل أقوى وأكثر تفاعلاً مع المعطيات الحضارية المستجدة في بداية القرن العشرين.
ميدان الصفاة حيث يظهر قصر الحكم 1362ه 1943م
حي طريف بالدرعية مقر الحكم والأسرة المالكة
د. عبداللطيف الحميد
د. عبدالله الربيعي
حسين العذل
سلطان الموسى
Your browser does not support the video tag.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.