خلصنا في طرح سابق إلى أن تحديات ومتغيرات الواقع الحالي الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية وغيرها، تفرض على القائمين على الحقل التربوي البحث عن علاقات تربوية وبيداغوجية سليمة ومتوازنة ومتحررة من قبضة الماضي، ومواكبة لروح العصر، مما يساعد على تحرير الطاقات الإبداعية المنتجة للمتعلمين وفق ميولهم ودوافعهم المختلفة؛ ليمكنهم من إيجاد فرص حقيقية للعمل والبناء، والمشاركة المجتمعية في المستقبل القريب شديد التعقيد والديناميكية المتسارعة. ومنها سننطلق نحو أنواع من العلاقات البيداغوجية وفق تصور عالم التربية «دوكلو» والذي حددها بثلاثة أنواع، علاقة متمركزة حول المعلم الناقل للمعرفة، وقيم احترام النظام والامتثال للقواعد، وعلاقة متمركزة حول محتويات التعلّم وطبيعة المحتوى الفني والمعرفي، وعلاقة «ديموقراطية» متمركزة حول شخصية المتعلّم الاستقلالية والإبداعية. وهناك مستويات عدة منشودة للعلاقات البيداغوجية الحديثة؛ فعلى المستوى المعرفي، تهدف تلك العلاقات إلى إكساب المتعلم معارف ومهارات القرن الواحد والعشرين. وعلى مستوى السلوك الإنساني، تنشد تجسيد القيم المدنية الحديثة والشعور بالمسؤولية وتقدير المصلحة العامة واكتساب ثقافة المساءلة وروح النقد الإيجابي. وعلى المستوى الاجتماعي، تتوخى العلاقات البيداغوجية الحديثة إثراء روح العدالة والمساواة والمواطنة، وتكافؤ الفرص والديموقراطية وتقبل الآخر والتعايش البناء، وعلى المستوى النفسي، تستهدف تلك العلاقات الجديدة إنماء ثقافة الثقة، وبناء الذات وتحقيق الطموحات الشخصية وإعطاء قيمة للحياة. وفيما يخص تطور تلك العلاقات حسب السياق المجتمعي والإنساني «الأنثروبولوجي»، نلاحظ أن العالم في حاجة إلى تلك النوعيات التقليدية من العلاقات البيداغوجية السلبية المتمركزة حول المحتوى المعرفي باعتباره شحنات جاهزة، والمتعلّمين باعتبارهم علباً أو بطاريات فارغةً قابلةً للشحن، بل يسعى إلى إيجاد علاقات إيجابية حديثة متمركزة حول المتعلم باعتباره بنية في حد ذاتها لها طرقها المفضلة في التعلّم والاكتشاف والتجريب والابتكار، والبحث عن المعرفة تحت إدارة معلم نشط، وذكي ومتمكن من إقامة جسور وجدانية شعورية ولا شعورية بينه وبين التلاميذ، كما يشير عالم النفس الشهير جون كلود فيللو في كتابه «خبايا النفس البشرية». ولأن «التكنولوجيا» الحديثة ينقسم أرباب التربية حولها، فإنها تبقى ليست بديلاً عن المعلم ورسالته؛ لأنه يشكّل بخبراته وقراراته ومواقفه أهم ركائز العلاقات البيداغوجية التفاعلية الحديثة. حيث يخضع التلميذ لنوع العلاقة المفروضة بينه وبين معلمه، والتي قد تشجعه على النمو، أو قد تصيبه بالإحباط، أو كما يقول برت راند راسل: «من السهل جداً كبح القدرات الابتكارية عند الأطفال، ومن الأسهل إطلاق هذه القدرات الابتكارية». Your browser does not support the video tag.