نسمع كثيراً عن ظاهرة الانقراض واختفاء مخلوقات كثيرة في عصرنا الحاضر.. والحقيقة هي أننا نعيش هذه الأيام أسرع عصور الانقراض في تاريخ الأرض، بدليل اختفاء الحيوانات البرية (ليس فقط من السعودية والجزيرة العربية) بل وحتى من دول متقدمة مثل الاتحاد الأوروبي - حيث قضى الأوروبيون على غاباتهم وحيواناتهم قبل مئتي عام فقط. إن رغبت بتفاصيل أكثر يمكنك البحث عن مقال «أعظم انقراض يحدث بيننا هذه الأيام»، لأننا سنتحدث اليوم عن مخلوقات يصعب انقراضها في المستقبل القريب.. لدي نظرية تقول: إن المخلوقات التي يأكلها أو يرعاها الإنسان (كالأبقار والدواجن والخنازير) هي أبعد المخلوقات عن الانقراض، في حين أن المخلوقات التي لا يأكلها أو لا يمكنه تدجينها ستنقرض عاجلاً أم آجلاً (كالنمر الهندي والنسر الأميركي ووحيد القرن الأفريقي). جميع المخلوقات تملك خطاً حرجاً، إن تجاوزته استمرت في التكاثر، وإن انخفضت تحته سارت نحو الانقراض (خصوصاً في بيئة عدائية يوجد فيها الإنسان).. الإنسان نفسه تعرض للانقراض عدة مرات في العصور القديمة - وكان الوحيد الناجي من بين أجناس بشرية سبقته في الظهور مثل إنسان النياندرتال وإنسان الإرجاستر وإنسان الانتيسيسور.. لم يبق حالياً غير جنسنا المعاصر (الهوموسبين) الذي خرج من عنق الزجاجة منذ عشرة آلاف عام حين تجاوز لأول مرة حاجز المليون نسمة. وبحلول عصر المسيح تجاوز عدد البشر 200 مليون نسمة (أي أقل من سكان إندونيسيا هذه الأيام).. وحين ولد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان عددهم قد تجاوز ال300 مليون نسمة (أي أقل من سكان أميركا هذه الأيام).. وحين دخلنا القرن العشرين (عام 1900) تجاوز البشر لأول مرة حاجز المليار ونصف المليار نسمة.. وحين انتهى القرن العشرين (عام 2000) تجاوز عددنا الستة مليارات ثلثهم في الصين والهند.. وفي عام 2012 تجاوزنا حاجز السبعة مليارات نسمة، ووصل عددنا وقت كتابة هذا المقال (في مطلع سبتمبر 2018) إلى 7,725,718,115 نسمة. هذا التضاعف الكبير يشبه تضاعف حبات الأرز في مربعات الشطرنج، ويؤكّد أن الإنسان أصبح حالياً أبعد المخلوقات عن الانقراض - وبمسافة شاسعة عن جميع المخلوقات.. تزايده المفرط وسيادته المطلقة على كوكب الأرض تسببا في تأثير عكسي نجم عنه انقراض 91 % من المخلوقات التي كانت موجودة حتى ثلاث مئة عام مضت. لم يكن هذا حال البشر قبل مليون عام، حيث كان عدد الأنواع البشرية مجتمعة لا تتجاوز 18 ألف نسمه فقط (انقرضوا جميعهم باستثناء نوعنا الحالي المعروف باسم Homo sapiens). ففي دراسة خرجت من جامعة شيكاغو (ونشرت في مجلة pnas التابعة للأكاديمية الأميركية للعلوم في الثاني من فبراير 2010) أصبح مؤكداً أن البشر كادوا ينقرضون تماماً في مناسبتين انخفض فيها عددهم إلى أقل من عشرة آلاف شخص حول العالم.. المرة الأولى حدثت قبل 150 ألف عام حين تسبب عصر جليدي طويل في تراجع أعداد البشر بنسبة خطيرة، والمرة الثانية قبل 70 ألف عام حين ثار بركان ضخم في جزر الملايو حجب ضوء الشمس لعقود طويلة فماتت معظم النباتات والمخلوقات التي تتغذى عليها - وكاد الإنسان يموت من الجوع بسبب اختفاء الاثنين. أتوقع شخصياً أن المرة التالية (الذي سنتعرض فيها للانقراض) ستحدث حين يتجاوز عددنا الخمسين مليار نسمة.. حينها سيعجز كوكبنا الصغير عن إعالتنا بسبب استنفاد تربته، وتلوث مياهه، وانقراض مخلوقاته، وتحول الأكسجين في هوائه إلى ثاني أكسيد الكربون داخل مئة مليار رئة بشرية. Your browser does not support the video tag.