من محاسن الدين الإسلامي أنه جاء شاملاً لمصالح الدين والدنيا، وأنه راعى حاجات الجسد كما راعى حاجات الروح، وتجد ذلك واضحاً في كل تشريعاته، بل حتى العبادات المحضة ترى جوانب من ذلك. ومن هذه العبادات: «الحج» الذي هو الركن الخامس من أركان الإسلام، فهو خلاصة الحنيفية السمحة، ويظهر فيها من ركائز التوحيد والإخلاص لرب العالمين، ما يجعل الإنسان إذا أداه كما أمر الله تعالى وسنه رسوله صلى الله عليه وسلم مخلصاً قلبه لربه قائماً بتوحيده على أحسن وجه. ومع عظمه هذه الفريضة وأنها كما وصفنا يبرز فيها من ركائز التوحيد ودقائق الإخلاص الأمر الذي ذكر؛ فمع هذا أباح الله تعالى في هذه الفريضة ممارسة التجارة والتكسب فيما بين الحجاج أو فيما بينهم وبين أهل البلد. ولذلك قال الله تعالى: (ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام). قال ابن عباس رضي الله عنهما: (ليشهدوا منافع لهم) قال: منافع الدنيا والآخرة؛ أما منافع الآخرة فرضوان الله، وأما منافع الدنيا فما يصيبون من منافع البدن والربح والتجارات. وهذه المنافع الدنيوية تحصل بسبب عدد من الأمور، من أهمها: أ- الجمع الكبير للحجيج الذي يتطلب استهلاكاً ويقوي عملية الطلب. ب- التنوع في هذا الجمع فالحجاج لم يأتوا من بقعة محددة أو حتى من قارة واحدة، وإنما أتوا من أنحاء العالم كافة، وهذا -بلا شك- له أثره في تنوع البضاعات، وله أثره في اختلاف الأذواق، ولذلك يعتبر موسم الحج ومنذ جاهلية العرب قبل الإسلام، مروراً بالتاريخ الإسلامي أشبه بسوق إسلامية مصغرة، وهذا ما يدعونا إلى أن نجدد الاقتراح القديم بإنشاء سوق إسلامية مشتركة مستلهمين في ذلك تجربة الحج: «ليشهدوا منافع لهم». وقد دعت إلى ذلك منظمة التعاون الإسلامي والبنك الإسلامي للتنمية منذ إنشائهما وغني عن القول: إن العالم الإسلامي يتوفر فيه من مقومات التكامل الرئيسة من: مساحات واسعة إلى موقع استراتيجي ومنافذ برية وبحرية، وإمكانات زراعية ورعوية وثروات سمكية وتعدينية ونفطية، وثروات بشرية ومالية بالإضافة إلى العمق الحضاري والديني. والأمل بعد الله تعالى في إعادة إحياء هذه الفكرة المهمة في صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد -حفظه الله- وهو الذي يرأس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية وصاحب المبادرات النوعية لاسيما مبادرة التحالف العسكري الإسلامي لمحاربة الإرهاب؛ فإن إيجاد هذه السوق سيتكامل مع هذا التحالف، ونحن نعرف أن من أهم مسببات تجفيف الإرهاب تنشيط البيئة الاقتصادية، وكما قال سموه الكريم: إنه لو سلم الشرق الأوسط من المشكلات لأصبح أوروبا الجديدة، وبهذه السوق التي نتكلم عنها -مع إدراكنا للمعوقات- سيصبح العالم الإسلامي منطقة مزدهرة ومضيئة في العالم كله. Your browser does not support the video tag.