يعد مضيق المندب من أهم المنافذ الحيوية الدولية في البحر الأحمر، ويشكل أهمية جيوسياسية كبيرة، فطبقاً لتقرير وكالة الطاقة الأميركية، فإن كميات النفط التي تمر عبر مضيق المندب بنحو 4.8 ملايين برميل يوميًا، وفقًا لتقديرات الوكالة في 2016 وإن نحو 2.8 مليون برميل تمر يومياً إلى الشمال نحو أوروبا، كما يمر مليونا برميل أخرى في الجهة المقابلة، ويشكل هدفاً خطيراً للعديد من الجهات المعادية، حيث قام الحوثيون مؤخراً بالهجوم على ناقلتي نفط حوتا «على مليوني برميل من النفط لكل منهما، وهذا الحدث يستدعي ما تحدثت عنه في مقال سابق من أن «الخطر السيبراني يشكل تهديداً كبيراً لاقتصاد وأمن أي دولة على وجه العموم، ولكنه يشكل تحدياً أكبر في القطاعات البحرية على وجه الخصوص، حيث إن أي ناقلة بحرية للأفراد أو البضائع أو ناقلات النفط بالتحديد ستكون معرضة للعديد من الهجمات السيبرانية والتي قد تؤدي إلى تدميرها وإغراقها، أو من الممكن تتيع السفينة ومراقبتها للقيام بأعمال تخريبية أو إرهابية»، وهذا ما حدث الآن بعد الهجوم على ناقلتي النفط، فهذا الهجوم لم يأت إلا عن طريق تتبع وتخطيط مسبق لا يخلو من استخدام التكنولوجيا والأدوات السيبرانية. إن هذا الهجوم له العديد من الأبعاد الأمنية والاقتصادية، حيث كان رد فعل المملكة لهذا الهجوم هو تعليق مرور ناقلاتها من النفط الخام من خلال ذلك المضيق إلى أن تصبح الملاحة آمنة في ذلك المعبر، وهذا التعليق له الأثر الكبير على الصعيد الدولي أكثر منه على الوطني، على سبيل المثال فقد انخفضت مخزونات النفط الخام الأميركية أكثر من المتوقع لتبلغ أدنى مستوياتها منذ 2015 في الوقت الذي قفزت فيه الصادرات وهبطت المخزونات بمركز التسليم في كاشينج. وأيضاً من ناحية أخرى تدرس دولة الكويت خيار وقف مرور ناقلاتها عبر المضيق نفسه، كما أن حق المرور العابر في المضايق الدولية يعد أحد الحقوق المكفولة في القانون الدولي للسفن، وقد حظرت اتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار 1982 إعاقة المرور بأي شكل من الأشكال ورتبت على ذلك المسؤولية الدولية. إن هجوم الحوثي لا يهدد فقط التجارة الدولية ويمثل خرقاً للقانون الدولي وإنما أيضاً يهدد الملاحة الدولية، بالإضافة إلى أنه يشكل تهديداً للأمن والسلم الدولي. ومن نتائجه القانونية، أن المملكة يكون لها حق الدفاع الشرعي عن نفسها وتقوم المسؤولية الدولية على الجماعات المسلحة غير النظامية (الحوثيين) وعلى من يقوم بدعمهم، كما أنه سيعزز موقف المملكة لتحرير ميناء الحديدة في اليمن والذي يسيطر عليه الحوثيون ويعد نقطة انطلاقه لهجماتهم هذه، فهذا سند قوي لقيام قوات التحالف العربي بتخليص ميناء الحديدة وإعادته كميناء سلمي، حيث إن التحالف كان ينتظر أن تقوم الأممالمتحدة بإيجاد حل سلمي في المنطقة والحفاظ على الإنسانية وحماية المدنيين من اعتداءات الحوثيين. من ناحية أخرى قد يكون لطهران مآرب أخرى، فمما لا شك فيه أن مضيق هرمز ذو أهمية كبيرة ولكن من الممكن في ظل تصعيد العقوبات الدولية على إيران وما يتعلق بالملف النووي وتهديدها بإغلاق مضيق هرمز، فقد يكون هذا الفعل من أجل جعل مضيق باب المندب يبدو ممراً خطراً مما يرفع من أهمية مضيق هرمز لتعزيز تهديدات إيران بإغلاقه. وبالعودة للتاريخ نرى ما حدث في منتصف الثمانينات، حيث انتشرت في مياه الخليج ألغام مع قيام إيران بمهاجمة شحنات النفط، وقامت الولاياتالمتحدة وبريطانيا وقوى أجنبية أخرى بحراسة ناقلات لدول أخرى، وغيرت بعض السفن راياتها ورفعت العلم الأميركي، ونفذت ضربات محدودة ضد أهداف بحرية إيرانية، وهذا ما أطلق عليه حرب الناقلات آنذاك، فهل سنرى تلك الحرب من جديد؟ Your browser does not support the video tag.