كان العالم يحلم بعالم مفتوح في التبادل والمبادلات التجارية بحرية تامة كاملة لا يوجد فيه ما يمنع الاستيراد والتصدير، إلا المنافسة الكاملة في الإنتاج، وبناءً علي ذلك قامت منظمة التجارة الدولية WTO في أواخر العقد العشرين المنصرم، وأصبح الأعضاء في المنظمة متساوين في الواجبات والمسؤولية للعمل سوياً لتحرير التجارة الدولية من جميع القيود والموانع العازلة والطاردة والمانعة لدخول وخروج السلع والخدمات بين دول العالم، ولَم تستمر التجربة كثيراً حتي وجد الأميركان أنفسهم غارقون في سياسة الإغراق وازدياد أعباء الديون وفوائدها لسداد المستورد، (لأن ما تستورده تدفع قيمته بما تصدره) وعندما يعجز البلد عن سداد فواتير قيمة ما يستورده بما يصدره (وارداته أكبر من صادراته) فإنه يلجأ إلى سداد عجز فرق زيادة الواردات على الصادرات عن طريق الاستدانة بإصدار سندات قروض ليمول فاتورة الاستيراد، وهنا وجدت الولاياتالمتحدة الأميركية في عهد الرئيس ترمب أنها تحولت إلي أكبر سوق استهلاكي تجاري لدول العالم، وبالذات الصين التي غزت أميركا تجارياً بالسلع والبضائع الرخيصة، واستمر العجز المالي والتجاري في الولاياتالمتحدة الأميركية في الازدياد والتراكم سنة بعد أخرى، إلى أن وجدت أميركا نفسها مهددة بالإفلاس والانهيار الاقتصادي، فكان لابد من البحث عن علاج ومخرج من الوضع الاقتصادي المتردي الذي آل إليه الاقتصاد الأميركي، وحتى يمكن وقف النزيف المالي لتمويل الاستيراد، هو وضع حد للاستيراد برفع تكلفته عبر العودة للحماية، حماية الاقتصاد الوطني من سياسة الإغراق من المستوردات بفرض ضرائب علي السلع والخدمات المنافسة لما هو منتج وطني، وكانت الصناعة الأميركية تواجه منافسة شرسة من معظم دول قارة آسيا وبالذات الصين، فإنتاجية العامل الصيني أعلى وأرخص من مثيله الأميركي، بالطبع دول العالم الثالث المصدرة للمواد الخام كانت أكثر الدول تضرراً من الحرية التجارية لأنها لا تملك الإرادة والقوة علي المنافسة، وكل ما تملكه هو مواد خام تصدرها بأبخس الأثمان؛ لتعيد استيرادها بأغلى وأعلى الأثمان، فهي في حالة عجز مستمر ينعكس على أسعار صرف عملاتها الوطنية بالانخفاض المستمر، ومعظم هذه الدول يعيش على الإعانات والمعونات والمساعدات الدولية للتخفيف من معاناة العجز المالي والتجاري الذي تعاني منه هذه الدول..!. الآن ماذا يحمل لنا المستقبل..؟ الأزمة الراهنة المتمثلة في العجز التجاري، بفائض عند أقلية من الدول يقابله عجز تجاري عند الغالبية من دول العالم، فلا الحرية التجارية نفعت الكل، ولا الحماية التي أضرت بالكل. فما السبيل للخروج من هذه الأزمة؟ المخرج الوحيد لإنقاذ التجارة العالمية من شبح الركود، ومن شبح الحرب التجارية بين الدول، هو العودة مرة أخرى لتحكيم العقل والرشد والصواب وإعادة صياغة وهيكلة قوانين منظمة التجارة العالمية WTO التي قامت عليها وعادة صياغتها وهيكلتها من جديد بحيث تضمن آلية مرنة لتصحيح مسار العجز التجاري والفائض التجاري، بأن تكون هناك تسوية عادلة بين العجز والفائض التجاري تسمح بإعادة التصحيح أوتوماتيكياً بدون تدخل سياسي، وذلك عبر مرونة تغير أسعار صرف العملات بين دول الفائض والعجز التجاري في العالم، وفِي نفس الوقت تخصص الدول ذات الفائض التجاري نسبة لا تقل عن 2.5 % من هذا الفائض تدفع كمساعدات للدول الفقيرة في العالم لتغطية عجزها التجاري. وبدون هذا الحل والتعاون في نجاحه فالعالم مهدد بحرب تجارية، الكل يخسر فيها، فقد أثبت الحرية التجارية الكاملة فشلها كما أثبتت الحماية الكاملة فشلها، فتبقى الحلول الوسط المرنة، بحيث لا تفنى الغنم، ولا يموت الذئب، ويرتاح الراعي والرعية. Your browser does not support the video tag.