تمر بنا الحياة ومن حولنا أبعاد مختلفة في هذا الكون، من أهمها بُعد الزمن، هذا البعد لا نحس به إلا من خلال حركة عقارب الساعة، وبعض المظاهر الكونية المشاهدة مثل تعاقب الليل والنهار. والزمن عنصر مهم للحياة التي وهبنا الله إياها، بل إن أعمارنا جزء من هذا الزمن المُمتد، يقول الإمام الحسن البصري: "الإنسان بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه" وعلى الرغم من أن الزمن ليس من المحسوسات في هذا الكون إلا أنَّه ثابت الوجود، (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ). وقد حاول الإنسان منذُ الأزل فك رموز الزمن، وحل لغز هذه المعجزة الإلهية الكونية. وانبرى العلماء، والفلاسفة مُجتهدين لمحاولة وضع أيديهم على ماهِيّة الزمن، وجسده، وكانت نظريات العلماء قبل النظرية النسبية لعالِم الفيزياء (آينشتاين) ترى أن الزمن ثابت، وأبرز من نادى بذلك العالِم الشهير (إسحاق نيوتن) وبعد ظهور نسبية (آينشتاين) انقلبت مفاهيم الفيزياء، وطرح من خلالها أن الزمن نسبي، وتتأثر مدته بسرعة الكتلة، (أي أنَّه غير ثابت المدة) بل جعله بعدًا رابعًا للكون مع بعد الطول، والعرض، والارتفاع ( أي أنَّ الزمنَ مؤثرٌ في المكان، فلو توقف الزمن، توقف التغيير في المكان ). وترى العالمة النفسانية (كلوديا هاموند) أن سبب إحساس الإنسان بقصر الزمن كلما تقدم به العمر يعود للرتابة، وقلة اللحظات الجديدة، والمميزة؛ فأكثر اللحظات مألوفة بعكس لحظات الصغر التي تُكْسِب مهارات، وخبرات جديدة، أخَّاذَة تصنع حضورًا أكثر في الذاكرة، ويستطيع الإنسان أن يقلل من الإحساس بسرعة الزمن في الكبر باكتساب لحظات جديدة، ورائعة. وبعيدًا عن نظريات العلماء؛ فالزمن معجزة إلهية، وآية عظيمة، وهدية من الله لخلقه (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْن). وعلاقة الإنسان بالزمن علاقة حتمية وجودية يسودها الصفاء تارةً، والكدر تارةً أخرى بسبب العوامل النفسية التي تطرأ على النفس البشرية. ويبدو أن الإنسان في لحظات الحزن يعيش صراعاً، ومقاومة للزمن يتمنى فيها أن يتسارع، وينقله إلى ضفة الفرح؛ فيحس بثقل خطوات الزمن بسبب مقاومته للحظة، أما في حالات الفرح فإن تركيز الإنسان يهمل اللحظة، فيبدو جريانها سريعًا، وقد سيطر هذا الإحساس على فكر الإنسان، فكان إحساسه بالزمان قصيرًا في لحظات الأنس، طويلًا في لحظات الحزن. يقول أبو تمام: أعوام وصلٍ كاد يُنْسِي طولها ذِكْرُ النوى فأكانها أيامُ ثم انبرت أيامُ هجرٍ أردفت بِجوى أسىً فكأنها أعوامُ والإنسان البعيد عن اللحظة يرتبط بماضيه أكثر، ويهمل حاضره، ويتوجس من مستقبله، والحقيقة أن الزمن هو الآن (أي اللحظة التي نعيشها بكل تفاصيلها) وأما الماضي، والمستقبل؛ فليس له وجود إنما هو وهم في عقولنا؛ ولذلك قليلو الوعي يتشبثون في الماضي، ويؤثر على حاضرهم، أو يقلقون من المستقبل ويعطل حاضرهم، ولا يعلمون أن لحظتهم الآن هي التي تُغير الماضي، وتصنع المستقبل، وهي حياتهم الحقيقية، والعاقل يضع كل جهده في لحظته؛ فهي الاستثمار الحقيقي لدنياه، وآخرته، وهي النبتة التي يسقيها، ويقطف ثمارها غدًا إنجازًا، وسعادة. Your browser does not support the video tag.