علاقة متوترة ربطت بين الملوك والأباطرة من جهة والعلماء والعباقرة من جهة أخرى.. علاقة تراوحت بين الرعاية والتقدير إلى الاضطهاد والتنكيل.. خذ كمثال قصة البيروني مع محمود الغزنوي.. والحجاج مع سعيد بن جبير.. والمأمون مع علي بن جبلة.. وملك فرنسا مع العبقري الإيطالي ليوناردو دافنشي... وهذا الأخير كان يملك من كل موهبة نصيباً؛ فهو فنان (رسم الموناليزا)، ومخترع (ابتكر الهليكوبتر)، ونحات (نقش كاتدرائية فلورنسا)، ومهندس (خطط قنوات فلورنسا وميلانو)، وطبيب (ترك رسومات رائعة في التشريح وحركة المفاصل).. وفي آخر حياته استدعاه ملك فرنسا فرانسيس الأول كي يحظى لديه بالرعاية والتكريم، وحين استقبله لأول مرة جلس معه لساعات ينصت لأفكاره النيرة وفرضياته الغريبة حتى دخل عليه الحاجب، وقال سيدي الملك نبلاء فرنسا في الخارج يريدون مقابلتك؛ فلم ينطق الملك - كي لا يقطع حديث ليوناردو - ولكنه أشار إليه أن «اخرج» ودعهم ينتظرون.. وبعد فترة عاد الحاجب وقال جلالة الملك مازال النبلاء ينتظرون، فأشار إليه بنفس الحركة فخرج الحاجب على مضض، ثم عاد للمرة الثالثة وقال متلعثماً: سيدي الملك بدأ النبلاء يتذمرون وعاد بعضهم إلى بيته.. وهنا قال الملك فرانسيس بحدة: اسمع يا هذا، أنا من يصنع النبلاء في فرنسا أما ليوناردو فالله وحده قادر على صنعه... الغريب أن هذا الملك لم يشتهر بغير رعايته الكريمة لدافنشي (الذي أهداه في المقابل لوحة الموناليزا الموجودة حتى اليوم في متحف اللوفر بباريس).. ورغم جهلنا بسيرة السيدة (ليزا دا جوكندا) إلا أنها بالتأكيد دخلت التاريخ كصاحبة «أشهر ابتسامة في الدنيا» .. ويؤكد هذه الحقيقة شهرتها العالمية ووجودها الدائم في متحف اللوفر بباريس من خلال أغلى لوحة في العالم (الموناليزا) .. وهي رسم شخصي لأميرة إيطالية يقال إن دافنشي رفض تسليمها لزوجها لتعلقه بها وتعاطفه معها. ومن ينظر إلى لوحة الموناليزا (التي تدعى أيضاً الجوكندا نسبة إلى صاحبتها) يلاحظ الابتسامة الهادئة والمحيرة التي ترتسم على ملامحها .. وقد خضعت هذه الابتسامة لمحاولات عديدة لتفسيرها وتقييمها واستجلاء حالة صاحبتها ومازالت محل نقاش ودراسات كثيرة.. وكان رائد التحليل النفسي (سيغموند فرويد) أول من حاول تفسر تلك الابتسامة على أنها معاناة الرسام نفسه «دافنشي» من عقدة أوديب (مدعياً أن ابتسامة موناليزا ليست سوى ابتسامة كاتارينا أم الفنان نفسه).. وحاول بعده أطباء كثيرون إعادة تلك الابتسامة إلى مشكلات صحية ونفسية كانت تعاني منها صاحبة اللوحة ليزا دا جوكندا؛ فالطبيبان الفرنسيان كورتيه وجريبو باتريك استنتجا (من ورم ظهر بين إبهام اليد اليمنى وسبابتها) وجود اختلال عصبي في شقها الأيمن يسبب لها آلاماً دائمة جعلها تتجلد أمام الرسام بتلك الابتسامة المحيرة. أما الطبيب الياباني ناكامورا فاستنتج من العقدة الدهنية أسفل عينها اليسرى أن ليزا كانت تعاني من ارتفاع في كولسترول الدم واحتمال الإصابة باعتلال الشرايين! واليوم توجد كاميرات وتطبيقات إلكترونية تحاول استجلاء حالات البشر من خلال صورهم وتخمين نواياهم من خلال مراقبة التغيرات الدقيقة في ملامحهم - بما في ذلك توسع بؤبؤ العين واحتقان الدم في أرنبة الأنف ورصد قطرات العرق على الجبهة والصدغين.. وكان الأصل لوحة دافنشي... Your browser does not support the video tag.