عندما فتحت «الرياض» ملف العاملات المنزلية الشائك والمعقد، من خلال هذا التحقيق مع بعض أصحاب مكاتب الاستقدام، أبدى كثير من أصحاب المكاتب مشاركتهم في تشخيص المشكلة، التي جعلت من التعقيد في استقدام العاملات المنزلية لغزاً يمكن حله من خلال عدد من الإجراءات، ولكنهم رفضوا المشاركة بأسمائهم خوفاً من الملاحقة وإقفال مكاتبهم، وقد لخصوا المشكلة في عدد من الأسباب من أهمها: نقل ملف استقدام العاملات المنزلية من وزارة الداخلية إلى وزارة العمل، فأصبح الاستقدام يمر بإجراءات بطّأت منه، مؤكدين أنه عندما كان الاستقدام تابعاً لوزارة الداخلية كان ميسراً وسلساً، وبعد انتقاله إلى وزارة العمل تغيرت الإجراءات وتعقدت، ولا يمكن إنكار ذلك، منادين بصوت واحد: «أرجعوا ملف العاملات المنزلية إلى الداخلية». ولا يزال ملف استقدام العمالة المنزلية يواجه كثيرا من العقبات التي تعرقل أي تحرك يطرأ عليه، ولا ينبئ بأي انفراج، وهذا يجعل وزارة العمل أمام مسؤولياتها في عدم نجاح كثير من الاتفاقيات الثنائية الموقعة بين المملكة ودول العاملات المنزلية، ومع الأسف نسمع كثيراً عن عقد الاتفاقيات بين دول العمالة المنزلية والتوسع في فتح المجال، وكان من بين تلك الدول الجديدة البوسنة والهرسك ودول جنوب شرق أوروبا، ودولة أخرى آسيوية وأفريقية، ولكن نسمع جعجعة ولا نرى طحناً، وهذا الأمر يحمل المسؤولية وزارة العمل في بطء معالجة أي معوقات ومشكلات تنشأ بين أطراف العلاقة. سوق سوداء تعثر ملف العاملات المنزليات والتباطؤ في إنهائه سهّل هروب العاملات وعملهم عند غير كفلائهن، والمتاجرة بهن من أبناء جلدتهم أو غيرهم، ما أوجد سوقاً سوداء، خاصةً في شهر رمضان، حيث ارتفعت أسعارهن إلى ما لا يطاق والمتضرر المواطن، وقد علق عدد من أصحاب مكاتب العمل على هذه القضية الشائكة بأن من أهم الأسباب انتقال ملف استقدام العمالة المنزلية إلى وزارة العمل، فزاد الأمر تعقيداً، بصفتها جهازاً حكومياً مشبعاً بالبيروقراطية والروتين، والمتضرر والضحية في النهاية هو المواطن، فارتفعت أسعار استقدام العاملة إلى أكثر من 25 ألف ريال، مع زيادة المدة إلى ما يزيد على ستة أشهر، وحتى هذا اليوم لا تزال قضية استقدام العمالة المنزلية عالقة، واستهلكت كثيرا من الجهد والوقت، ويبدو أنها لا تزال تراوح مكانها، مع أننا في كل يوم نسمع عن اتفاقيات جديدة مع عديد من الدول، ولكن تلك الاتفاقيات تبقى حبراً على ورق. ويجب حل هذه المعضلة التي تمتد سنوات، رحمةً بكثيرين من أرباب المنازل الذين لا يمكن لهم أن يستغنوا عن العمالة المنزلية؛ بسبب ظروفهم التي تحتم عليهم البحث عنهم بأي سعر وبأي طريقة، ما أسهم في ظاهرة هروب العاملات اللاتي يساومن كفلاءهن أو من يحتاجونهن برواتب كبيرة ومبالغ فيها، ما يضطر أرباب العمل إلى الجري خلف مكاتب استقدام وهمية، أو الوقوع تحت رحمة عاملات غير مناسبات قد تجبرهم على ما لا يريدونه من خسائر ومخالفات. اتفاقيات مجحفة ويرى كثير من المواطنين أن هناك إجحافا في بنود عقود استقدام العمالة المنزلية، حيث تنظر تلك العقود إلى مصلحة العاملة فقط، ولم تنظر لمصلحة المواطن الذي ينفق مبالغ كبيرة قد تصل إلى ضعف ما يدفعه مواطن أي دولة خليجية أخرى، مطالبين بالاستفادة من تجارب وخبرات بعض الدول في الاستقدام، حتى لا يصبح المواطن هو الضحية، ويطالبون بعدم رضوخ وزارة العمل في المملكة لطلب وزارات العمل في دول العاملات، وسن قوانين تصب في مصلحة المواطن، مع عدم هضم حقوق العاملة، لتنتهي أزمة استقدام العاملات ولتنخفض تكاليف الاستقدام الباهظة. وقد يكون الحل في إنشاء هيئة وطنية تعنى بشؤون الاستقدام، وتنظيم العمل في هذا المجال، ووضع الحلول والتشريعات اللازمة لدراسة وتطوير آلية العمل، وحفظ حقوق كل الأطراف، والتفاوض مع الدول المصدرة للعمالة المنزلية، وكذلك فتح أبواب الاستقدام من مزيد من الدول، وترك الحرية للمواطن ليختار ما يريد من الدول المتاحة، وهنا يبرز السؤال: لماذا تتعثر مذكرات التفاهم على الرغم من أن سوق المملكة جاذبة وهدفا لكثير من دول العمالة المنزلية؟، إذن قضية الاستقدام تحتاج حلولاً سريعة، تحدد فيها مكامن الخلل، وباختصار فهناك قاعدة اقتصادية «إذا زاد العرض على الطلب فستنخفض الأسعار»، ولا بد أن يتم التركيز على تنويع مصادر إرسال العمالة ولا يتم الاعتماد على دول معينة. بحث البدائل وعلى الرغم من أن هناك كثيرا من الدول التي يرى أصحاب مكاتب الاستقدام أنها مؤهلة للاستقدام منها مثل: البوسنة وأوغندا، النيبال وكشمير، وجزر القمر، وإرجاء موضوع الاستقدام من إندونيسيا وغيرها من الدول التي تشترط في إرسال عمالتها؛ لأن هذه الملفات أخذت أكبر من حجمها، فهناك كثير من الدول التي لديها عاملات مميزات، وقد تعاني كثير من تلك الدول البطالة، وترغب حلا لأزماتها من خلال إرسال العاملات، وهذا مخرج لترك الدول التي تتعنت وتفرض شروطها مستغلين الإقبال على عمالتها، وضرورة توحيد عقود العمل لمنع أي دولة من فرض شروطها على المواطن، مع أهمية أن تكون العقود مناسبة ومنصفة لكل الأطراف ويحفظ حقوقهم. ويجب أن يكون لمجلس الشورى تأثير في تسريع الاتفاقيات الثنائية لاستقدام العمالة المنزلية، وحث وزارة العمل على توسيع جهات الاستقدام من الدول التي ليست لديها تعقيدات في إرسال العمالة، وفتح قنوات جديدة لتلبية الطلب المتزايد على العمالة المنزلية المدربة والماهرة، واتخاذ التدابير اللازمة للتأكد من أن العمالة مؤهلة ولائقة طبياً ومجتازة جميع المعايير اللازمة للعمل في المملكة وفقاً لمواصفات الوظيفة المطلوبة، وألاّ تكون العمالة المنزلية المرشحة للعمل من أصحاب السوابق الجنائية، وأن تكون مدربةً في معاهد متخصصة على الأعمال المنزلية، ومثقفةً بعادات وتقاليد المملكة، وطبيعة عقد العمل وشروطه، وأن يكون توظيف وتعيين العمالة المنزلية وفقًا للأنظمة والقواعد واللوائح المعمول بها في المملكة، واتخاذ التدابير اللازمة لحماية حقوق أصحاب العمل والعمالة المنزلية. نظرة إيجابية وفي إحدى المقابلات الصحافية مع نائب رئيس البعثة الدبلوماسية في سفارة نيبال، أناندا شارما قال: بشأن استقدام العمالة المنزلية، من بلاده، إلى استعداد بلاده لتوفير 100 ألف عاملة منزلية، مضيفا أن هناك مقترحات في طور المناقشات والدراسة، مؤكداً أن حكومة نيبال لديها نظرة إيجابية بشأن الاقتراحات السعودية لاستقدام العاملات المنزليات، خاصةً في ظل توقف تصدير العمالة المنزلية من نيبال إلى كل دول العالم، وإعادة النظر في سياسة التصدير، مشيراً إلى أنه لا يمكن في الوقت الحالي استقدام عاملات منزليات إلى المملكة إلاّ بعد توقيع اتفاق رسمي بين الحكومتين السعودية والنيبالية، موضحاً أن حجم العمالة النيبالية في المملكة حاليا يبلغ نحو خمسة آلاف، في حين يقدر حجم المنزلية منها بنحو 2500 عاملة. موسوعة جينيس وعلى الرغم من فشل هذا الملف إلاّ أن استقدام العاملات المنزلية يتضاعف لما تتطلبه حاجة المملكة لمئات الآلاف من العاملات بمختلف المناطق والمحافظات، ولكن هذا يضعنا أمام تساؤل: كيف يفشل ملف استقدام العاملات المنزلية، في الوقت الذي دخلت فيه المملكة ممثلة في إحدى شركات الاستقدام موسوعة جينيس؟ ففي ملتقى ومعرض الاستقدام والخدمات العمالية والخدمات المساندة، الذي أقيم في الرياض أخيراً، فقد كشف عن دخول شركة سعودية موسوعة جينيس للأرقام القياسية لتميزها في الاستقدام وكبر حجم استقدامها، وقد حققت الشركة السعودية للاستقدام سماسكو المركز الأول عالمياً، كأكبر شركة مزودة لتدريب العمالة المنزلية، متفوقةً بذلك على شركة راجكوت مونيسيبال الهندية التي حلت العام الماضي في هذا المركز، من خلال عقد أكبر دورة تدريب في العالم ل(2030) عاملة منزلية، وتحقق هذا الإنجاز للريادة في تدريبها للعمالة، حيث دأبت الشركة على تنظيم برامج تدريبية متنوعة تلبي حاجات المنزل السعودي، تتضمن التدريب العملي على بعض المهارات اللازمة للعمل في المنازل، إضافةً إلى توعية المتدربين والمتدربات بالعادات والتقاليد في المجتمع السعودي، وقد دربت ما يقارب 100 عاملة منزلية، ويوجد منهن في الوقت الحالي على رأس العمل عدد كبير نجحن في كسب ثقة العائلة السعودية، وقاربت بعض هذه العاملات ستة أعوام على رأس العمل، وقد تسلم سعد البداح شهادة موسوعة جينيس للأرقام القياسية، مؤكداً أن هذه الشهادة ليست الأولى التي تحصل عليها الشركة، وإنما سبق أن حصلت على عدد من الشهادات والجوائز من أبرزها Gusi في 2014م وForbes في 2015م وTisse في العام 2017م و2018م وISO في 2017م، وهذا يدعو لأن تسعى الجهات المعنية إلى تطوير هذا الملف وإنهاء المعاناة بالاستفادة من الخبرات المحلية والعالمية في هذا المجال. لابد من سن قوانين في صالح المواطن مع عدم هضم حقوق العاملات Your browser does not support the video tag.