تخيل أنك أسير أنت ومجموعة من الناس من لحظة ميلادكم في كهف، رؤوسكم وأجسامكم مثبتة تجاه حائط الكهف المظلم، خلفكم طريق يمر به السجانون وهم يمارسون حياتهم اليومية، تلي الطريق شعلة من نار، وكل ما تراه أنت ومَن معك طوال حياتكم مجرد خيالات وانعكاسات ظلال الناس، الذين يمرون خلفكم على جدار الكهف، هذه الظلال أو الخيالات هي عالمكم الذي تتحدثون عنه، فالناس وما يحملون، وطريقة حركتهم، وأحجامهم هي كل المعطيات والمعلومات والمعارف والأحداث التي تدور حولها حواراتكم ونقاشاتكم طول الفترة الماضية. الآن تخيل أن قيودك حُلَّت، وتمكنت من تحرير يديك، ثم حررت بهما رأسك وباقي جسدك، وأول التفاتة لك كانت للخلف؛ لتشاهد الناس بألوانهم، والشعلة بضيائها المزعج للعين، التي اعتادت الأبيض والأسود فقط، من الممكن حينها أن تشعر بألم النور وإزعاجه وتعود لمكانك، لكن حينها ستكون مدركا لوضعكم داخل الكهف، ستبدأ بالالتفات ثم العودة مجددا لاستطلاع الوضع، وستأخذك أقدامك تدريجيا لترى الناس بالألوان، وترى الشعلة وتحس بحرارتها، وتدريجيا تجد نفسك خارج الكهف لترى المدينة والناس والمباني والأشجار والطيور تحت ضوء الشمس المبهر في السماء. بعد هذا الاكتشاف الباهر والمربك تعود بسرعة إلى الكهف لتخبر زملاءك المقيدين بالصورة الجديدة، التي اكتشفتها، وحقيقة الخيالات التي كنتم تشاهدونها طوال أعماركم داخل الكهف، والتي كنتم تظنون أنها الواقع، لكن حينها ستتعثر وتقع، فعينك التي اعتادت الشمس لم تعُد ترى في الظلام، ستتحدث معهم بحماس، ستتلعثم، لكن ما ردود الفعل المتوقعة منهم؟ رمزية قصة الكهف تعتبر من أبرز الرمزيات التي استخدمها الفيلسوف الإغريقي أفلاطون في كتابه "الجمهورية" قبل نحو 2500 سنة، ويرمز فيها للنفس الإنسانية المتصلة بالجسد، التي هي أشبه ما تكون بسجين في كهف مقيد بسلاسل، يرى الظلال المتحركة التي تلقيها الشعلة على جدار الكهف ويظنها الحقائق، فالكهف هو العالم المحسوس، والمقيدون هم الناس الذين يعيشون في عالم حواسهم، والظلال هي المعرفة الحسية، فيما يمثل السجين الذي خرج للاستطلاع الفيلسوف المفكر المتأمل، الذي يمثل أقرب رؤية للواقع في عالم الحدوث، أما الأشياء الحقيقية التي تعكس ظلالها الشعلة فهي المُثُل، فيما يمثل العالم خارج الكهف العالم الحقيقي الواضح المليء بمصادر المعرفة الكاملة الثابتة. Your browser does not support the video tag.