تختزن صحراء العرب في ذاكرتها الحادة مشاهد مرعبة للظمأ وانفلات الأمن وانعدام الاستقرار وسفك الدماء، وتمتليء ذاكرتها بالصور المفزعة الممتدة لألوف السنين من مشاهد الجثث الإنسانية والحيوانية المتناثرة على رمالها وصخورها تحوم حولها الغربان والبوم، ويُخيّم عليها الخوف ورائحة الموت.. كل ذلك بسبب سيادة قانون الغاب، وانعدام الدولة المركزية القوية، وغياب الاستقرار، وانتشار الفتن والحروب بين القبائل، وكثرة الغارات، وانطلاق قطاع الطرق والعصابات، يجوسون مجاهل الصحراء، ويَعْدُون كالوحوش الضارية ويَعِدُون بالويل والثبور، فلا يتركون غادياً ولا رائحاً إلا سلبوه أو قتلوه، ولا يمرون بسارٍ في الليل أو ساربٍ في النهار إلّا افترسوه، لا يُفَرِّقون بين شابٍ وشيخ، ولا غني ولا فقير، فهم في سباق مع الوقت.. ومع الموت.. يداهمون الناس وهم نيام.. ويسرقونهم وهم أيقاظ.. يَعْدُون بسرعة الفهود، ويقتلون بقسوة التماسيح، يجوسون خلال الديار، ويسرحون كالذئاب، ويسرون في الليل كالأشباح، عارين إلا من خِرْقَةٍ بالية تستر العورة، جاهزين بالسكاكين الحادة وأنواع السلاح، يسلبون الأموال، ويسرقون الناس، ويسوقون الحلال، ويقبضون الأرواح.. ولا يقتصر مشهد الصحراء المرعب - قبل توحيد المملكة - على قُطّاع الطرق الذين يتفوقون على الوحوش قسوة وضراوة، بل يزدحم المشهد بكل ما يؤذي ويؤدّي إلى البؤس، وانعدام الأمن، وانتشار الخوف، فالقبائل تُغير على القبائل، والتقاتل على موارد الماء الشحيحة دائم، والتذابح من أجل بقعة من المرعى هزيلة سائد، وفوق كل هذه الرزايا والبلايا والمصاعب والمخاوف التي لا نهاية لها، هناك الجفاف القاتل الذي يشبه مصاصي الدماء، يُرعب الناس ويُفزع الصحراء، فهو إذا حلّ - وما أكثر ما يحل وأقلّ ما يرتحل - اقشعرّت الأرض، وصوّح العشب، وثار الغبار، وأصبح العشب هشيماً تذره الرياح، وجفّ الضرع والزرع، وكشّر الجوع والظمأ عن أنياب قاتلة، وبدت الصحراء القاحلة تحتضر، وتقتل أولادها، وانتشرت الهياكل العظمية على صخورها ورمالها، فلا يجد قُطّان الصحارى والقرى حينها ملجأ ولا منجى إلا رحمة الله، ولا يَشمّون أي أمل، ولا يجدون من مناص، فقد حلّ الدهر وأمحل القفر واختفى النبات ومات الحلال وشحّ حتى ماء الشرب وبلغت القلوب الحناجر وضاقت عليهم الأرض بما رحبت: (لا نَسَبَ اليوم ولا خِلّة *** اتسع الخِرْقُ على الراقعْ) وبعد توحيد المملكة العربية السعودية على يد بطل العروبة والإسلام الملك عبدالعزيز ورجاله المخلصين، بدّل الله فرقة الصحراء وحدة، وخوفها أمناً، وجوعها رخاء، وجهل سكانها علماً ونوراً، فازدهرت الحضارة في صحراء العرب، وصارت المملكة مضرب المثل في الاستقرار العظيم والأمن العميم، وتعميم التعليم، وبناء الإنسان، وتمتين الاقتصاد، وأصبح للمملكة دورٌ كبير في العالم العربي والإسلامي، وفي المحافل الدولية، وأضاف أبناؤه الملوك أمجاداً جديدة للأمجاد التليدة، وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله -، وولي عهده الأمين، زادت أهمية المملكة على المستوى الدولي، وسارت برؤية ثاقبة لمستقبل أفضل وأجمل (رؤية 2030): (عاش سلمان يا بلادي عاش سلمان عاش سلمان ملكنا عاش سلمان والشعب كله يردد عاش سلمان غنّت الدنيا وغنت البلد غنت الامجاد لك يابو فهد تكتب لك الفرحة أحلى قصيد افتخرنا فيك يا وجه السعد أنت سلمان ما مثلك مثيل وان وجد مثلك صدقني قليل يا عسى ربي يبارك في خطاك شعبك الوافي ماله إلا ذراك يا عسى عمرك الغالي يطول تزرع الأحلام ونقطفها معاك) خطورة التعايش مع الصحراء شبح الجفاف مخيف Your browser does not support the video tag.