تحرص كثير من الأسر على الاجتماع الدوري لأفرادها؛ لما تمثله هذه الاجتماعات من صلة للرحم، وزيادة الترابط بين الأقارب، وتحقيق الألفة والمودة، لذلك فهي تنمي الوعي لدى الأبناء، فيتعرفون على العادات والتقاليد السائدة، وتنمي لديهم القيم والمبادئ السامية في حضور هذه المجالس؛ ليكونوا نواة نافعة لوطنهم ومجتمعهم وصدهم عن الانحراف السلوكي. ويبقى من المهم أن يُستفاد في هذه الاجتماعات من علم وتجارب وخبرات الكبار، عبر استشارتهم، وأخذ آرائهم، وسرد الحكايات الجميلة والتراثية للحضور، مع أهمية عدم إغفال الترفيه، من خلال عمل مسابقات مختلفة ومتنوعة تناسب جميع الأعمار. تنمي الوعي وقالت د. نورة محمد المطرودي- أستاذ مساعد في أصول التربية بجامعة القصيم-: مثل هذه الاجتماعات تنمي الوعي لدى أبناء الأسرة، فحين يجتمع الكبير والصغير تُصقل المواهب، ويتبادلون الأخبار، كذلك تُنمى لديهم القيم والمبادئ السامية في حضور هذه المجالس، ويتعلمون احترام الكبار وكيفية التعامل معهم، ويتعرفون على أساليب التواصل مع الآخرين، وتتعزز لديهم روح المشاركة والتعاون فيما بينهم، فيكتسبون خبرات جديدة تُثريهم وتطورهم للأفضل، مضيفةً أن الإسراف والمبالغة في التقديم والتجهيز لهذه الاجتماعات هو ما يجعل كثيرا من الأسر لا تستمر وتنقطع بعد فترة، مشيرةً إلى أن البُعد عن التكلف، ووضع ضوابط للضيافة يديمها، فالهدف الأساسي منها هو صلة الرحم، ذاكرةً أن المحافظة على البساطة في هذه الاجتماعات تجعل الهدف منها يبقى ويستمر. أمن فكري وبيّنت د. نورة المطرودي أن تطوير هذه الملتقيات والاجتماعات الأسرية يأتي من خلال إيجاد أهداف لها تسعى لتحقيقها بعد الهدف الأسمى، وهو صلة الرحم، مثل تكريم المتفوقين في حفظ القرآن الكريم والسنة النبوية، وكذلك المتفوقين في الدراسة والخريجين، ورعاية الموهوبين، وتنمية قدراتهم، وتشجيعهم على تقديم وعرض مواهبهم في يوم الاجتماع، وكذلك اكتشاف مهارات أبناء الأسرة المتنوعة، ودعمهم وتشجيعهم لاستثمارها وتطويرها، ووضع صندوق للأسرة يدعم كبار الأفراد، ويصرف منه على من يحتاج، فيحل كثيرا من المشكلات المادية، ويعزز الروابط الأسرية، ويحقق المودة والرحمة والألفة والتكافل بين أبناء الأسرة، مُشددةً على أهمية تعزيز الأمن الفكري لدى أبناء الأسرة، ووقايتهم من الانحرافات، والحرص على التجديد والإبداع في البرامج المقدمة في كل ملتقى، وترتيب برنامج تربوي يتم من خلاله تقديم دورات يقيمها المبدعون في هذا المجال من أبناء الأسرة. بساطة اللقاء وتحدث د. محمد بن عبدالله اليحيى- كلية الاتصالات والمعلومات في الرياض- قائلاً: بدأت منذ ما يزيد على ال20 عاماً لقاءات أسرية اجتماعية تكون في منزل كبير الأسرة، ثم تطورت لتكون على مستوى أكبر، وقد تكون أسبوعية للأسرة الواحدة، أو شهرية لأولاد الجد، وسنوية للفخذ أو القبيلة، مؤكداً أن الباعث لهذه الاجتماعات هو صلة الرحم والتعارف بين أبناء العم والأقارب، مضيفاً أن لبعض الأسر تجارب ناجحة وبارزة في تطوير وتدريب أفرادها وتنمية مهاراتهم، سواء بمدربين من داخل الأسرة أو من خارجها، مبيناً أنه لكي تنجح هذه اللقاءات وتستمر لا بد أن يضع كل فرد في اعتباره أن الغرض هو صلة الرحم، لذا عليه أن يتحمل بعض الأخطاء والتجاوزات في سبيل استمرارها، وكذلك لا يكن سبباً في إفشالها، لافتاً إلى أنه في المقابل هناك أسباب لاستمرار هذه اللقاءات بتبسيطها وعدم تحميل الأفراد تكاليف مادية إضافية أو التباهي وغير ذلك، وهذه الاجتماعات من أفضل الأماكن لنبذ الفرقة، ووسيلة مهمة في توعية أفراد الأسر بكل مفيد وجديد. غاية وأهداف وأوضح د. عبدالله العريفي– وزارة التعليم-: أن الملتقيات الأسرية عادة لا تتوقف أهميتها على الاجتماع، بل تتعدى ذلك إلى بلوغ غاية وأهداف سامية، تستطيع من خلالها استثمار هذه الاجتماعات في تعزيز جانب الوعي لدى أفراد الأسرة، بإقامة الندوات الدينية والثقافية، ورعاية المواهب، وتنمية القدرات والمهارات، والمحافظة على أمن المجتمع الفكري من الانحرافات، والتطوير الإداري والثقافي والعلمي، وكذلك تعزيز الروابط الأسرية وصلة الرحم بين أبناء الأسرة، مضيفاً أن أي ملتقى أسري يجب على المنظمين وضع أهداف واضحة له، وبالإمكان تحقيقها وتتماشى مع تطلعات وآمال جميع شرائح الأسرة، والاستفادة من تجربة الملتقى السابق، ودراسة تقييمه، والاستفادة منه، وذلك بتعزيز جوانب القوة، ومعالجة جوانب القصور، كذلك الاطلاع باستمرار على الأحداث والمتغيرات في الساحة الاجتماعية؛ لطرح أهمها في الندوات خلال الملتقى، مبيناً أن المحافظة على القمة أصعب من الوصول إليها، لذلك يجب على منظمي الملتقيات الأسرية العمل على استمرارها، وذلك بمراعاة اهتمامات أفراد الأسرة عند وضع البرامج الثقافية، والاهتمام بتوجيه دعوة خاصة لكل فرد، وعدم التكلف والإسراف المبالغ فيه، وكذلك استضافة شخصيات بارزة من المجتمع في مختلف التخصصات. صقل الشخصية وقالت د. سعاد عابد المولد –طبيبة-: إن هذه الاجتماعات فرصة للصغار لصقل الشخصية، وزيادة المفردات اللغوية، ما له الأثر البالغ في عملية التواصل مع باقي أفراد الأسرة والمجتمع، فهو يتعلم احترام الكبار وكيفية التصرف في مختلف المواقف، كذلك يستفيد الشباب من تجارب الكبار وآرائهم، وهذا يعزز من روح التعاون والمشاركة، وينشر المحبة والألفة، كما يقضي على الرتابة في العلاقات، خاصةً في هذا العصر عصر السرعة وكثرة الانشغال وتباعد المسافات، مضيفةً أنه يمكن استثمار هذه الاجتماعات في تبادل الخبرات في الأمور الحياتية المختلفة، ما يؤثر إيجاباً في تنمية وزيادة الوعي لدى أفراد الأسرة الواحدة، وذلك باكتساب المهارات وتبادل المعارف فيما بينهم، وإيضاح بعض المسائل التي قد تُشكِل على بعضهم، سواء أمورا خاصة أو عامة، مشددةً على أهمية هذه اللقاءات والعناية بها واستغلالها للتطوير في بناء العلاقات السليمة. ترفيه واستزادة وبيّنت د. سعاد المولد أن من وسائل وسبل استغلال هذه الاجتماعات الاتفاق على أن يحتوي اللقاء أو الاجتماع على مناقشة موضوعات كانت مثارا للتساؤل عند البعض، كذلك لا بد أن يكون الاجتماع سبيلاً للترفيه والاستزادة من العلم والفكر، والنقاشات الهادفة، وعمل مسابقات مختلفة ومتنوعة تناسب جميع الأعمار، وإثارة موضوعات تهم فئة الصغار والمراهقين، مع ترك المجال لهم للنقاش وإبداء الرأي، والخروج منها بتوصيات حسب آرئهم لننمي فيهم روح المشاركة والمبادرة، فيتعلمون أسلوب الحوار والنقاش الصحيح وتقبل آراء الآخرين وإن خالفونا، إلى جانب الاستفادة من خبرات الكبار باستشارتهم وأخذ آرائهم، وسرد الحكايات الجميلة والتراثية للأطفال، وكيف كانت حياة الأجداد، وكيف اختلفت حياتنا عن حياتهم بالصبر والجد والعمل، وكيف أننا نفخر ونفاخر بتراثنا وماضينا، مضيفة: "للحفاظ على هذه الاجتماعات واللقاءات الدورية ينبغي البعد عن الرتابة قدر المستطاع، فمثلاً يمكن أن ننفذ بعض الأفكار بحيث يكون الاجتماع مرة في الأسبوع أو الشهر أو كلما سنحت الفرصة، مع ضرورة اجتماع الأسرة الواحدة أسبوعياً على الأقل، وعدم التكلف في الاجتماعات من ناحية الضيافة كالأكل واللبس ومكان الاجتماع وغيرها من الأمور، ووضع برامج مختلفة للاستفادة من اللقاء على أكمل وجه، واقتراح وضع صندوق للتبرعات سواء للأسرة الواحدة أو للأسر لدعم هذه الاجتماعات، على أن يسهم فيه الجميع صغاراً وكباراً، ويُترك جزء للصدقة، وجزء لدعم الاجتماعات، وجزء للهدايا في المناسبات وغيرها، وكذلك الاهتمام بالجانبين التثقيفي والتوعوي، وتنمية المهارات لأفراد الأسرة الواحدة والأسر". إدخال السرور وأوضح د. مشعان ضيف الله الشمري- عضو هيئة التدريس بجامعة حائل- أن التقاء الأسر يحقق أهدافا كثيرة على المستويين الفردي والمجتمعي، ففضلاً عن كونه جزءاً من الاجتماع البشري الضروري للإنسان، إلاّ أنه يحقق فوائد أخرى كبيرة على المستوى المجتمعي، منها أن فيه صلة للأرحام التي أمر الله بها أن توصل، وفيه تحقيق للترابط والتكافل الاجتماعي من خلال التقاء الأقارب معا، مبيناً أنه إذا أحسن استغلاله فيه حفظ للنشء من الانحراف، وإبعاد لهم عن الاجتماعات المشبوهة أو غير المعروف حقيقتها، ذاكراً أنه على المستوى الفردي فهذه الملتقيات الأصل فيها أنها مفيدة إذا أحسن استغلالها واستثمارها بما يفيد الفرد، كإكساب الأبناء القيم والسلوكيات الفاضلة والعادات الحميدة، وإشباع الحاجة للاجتماع لدى الأبناء والبنات في جو آمن، وربط الأسرة بأقاربها، وإدخال السرور على أفراد الأسرة خاصةً الأطفال وكبار السن من خلال إدماجهم في مثل هذه الملتقيات، مشدداً على ضرورة استثمار هذه الاجتماعات بما يفيد؛ لأنها إذا لم تستثمر ويستفد منها قد تنقلب إلى مضرة، وقد يتعلم منها الأبناء سلوكيات سلبية، وقد تكون نواة مشكلات أسرية واجتماعية كبيرة، مؤكداً أن استثمارها يكون بالتخطيط الواعي المسبق لها من قبل الآباء والمسؤولين عن الأسر، ويكون التخطيط لمكان وزمان الاجتماع، بحيث يكون برنامجاً ترفيهياً وهادفاً في الوقت نفسه، مع محاولة نشر الوعي الثقافي والصحي والاجتماعي من خلال برامج مشوقة. مشوقة وجذابة وذكر د. الشمري أن الاجتماعات الأسرية والعائلية غالباً ما تكون اجتماعات عفوية، والعفوية ليست دائماً جيدة، العفوية إذا كان المقصود منها البساطة وعدم التكلف فلا بأس في ذلك، أمّا إن كانت تعني ترك الأمور تسير كيفما اتفق، فهذا ليس جيداً، فقد لا تسير الأمور دائماً في هذه الاجتماعات بالشكل الصحيح، مضيفاً أن الخطوة الأولى لتطوير هذه الملتقيات هو ألا تترك تسير بشكل عفوي، بل يخطط لها جيداً، ويكون لها هدف ولها برنامج وليس المقصود طبعاً من التخطيط لها أن تتحول هذه الاجتماعات إلى مدرسة أو مجالس وعظ، بل يجب أن تبقى لهذه الملتقيات روحها المشوقة والجذابة، وأن ينطلق الناس على سجيتهم، مع ضرورة المتابعة المستمرة والواعية من قبل الآباء والمهتمين، مُشدداً على أهمية المحافظة على استمرار هذه الاجتماعات بتعزيز مقومات البقاء والاستمرار لها بإبقاء عنصر التشويق والجاذبية لهذه الاجتماعات، وتعزيز مقومات الاستفادة، بحيث يدرك المجتمعون أنها مفيدة لهم ولأسرهم، وتحقق لهم فوائد اجتماعية وتربوية، مع الحرص على عدم حدوث مشكلات في هذه الاجتماعات، سواء كانت أسرية أو أخلاقية أو غيرهما، على أن تكون في هذه الاجتماعات تجانس بين الأسر والأفراد، أو محاولة إيجاد هذا التجانس ولو في حده الأدنى. د. محمد اليحيى د. عبدالله العريفي د. مشعان الشمري Your browser does not support the video tag.