تتجلى في مائدة رمضان الكبرى التي تلف أرجاء المسجد النبوي الشريف ويلتف حولها خليط من الزوار بأجناسهم وأعراقهم ولغاتهم أعلى وأبرز وأسمى القيم الإنسانية من رحمة وتسامح وبر وإحسان، في سباق عظيم إلى الخيرات في شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار. المجتمع المدني بسجيته مطبوع على الضيافة والبشاشة والترحاب، وكم تداولت عدسات الزوار صوراً ومقاطع شتى تبرز هذه الأصالة، ولاسيما سفر الإفطار التي يتنافس المدنيون - خلالها - على الظفر بالعدد الأكبر من الصائمين، حيث يبدأ الأهالي قبيل الإفطار بتجهيز الآلاف منها داخل الحرم الشريف وساحاته وسطحه بصورة منتظمة وبشكل مترامي الأطراف في جميع الجهات، ويحرص أبناء طيبة الطيبة على تجهيزها وترتيبها في سباق خيري وماراثون سنوي ليس له مثيل عالمياً، ويقوم العاملون في المسجد النبوي على تهيئة المرافق، والساحات لتجهيز السفر وإعدادها، وتهيئة جميع السبل للقائمين على تقديمها، وتحديد أماكن وضع السفر، ومواقعها داخل المسجد وخارجه، كما يتم استقبال موائد وسفر الصائمين بعد انتهاء صلاة العصر من خلال أبواب محددة، ودخول الموائد التي تحتوي على تمر وقهوة ولبن زبادي وخبز، ويتم الإشراف على دخول هذه الموائد بواسطة مراقبين موجودين على الأبواب، بينما يتم وضع الأطعمة بعد فرش السفر داخل المسجد حتى وقت أذان المغرب، ويبدأ الإفطار ثم يجري قبل إقامة الصلاة رفع هذه السفر وبقايا الطعام بطريقة سريعة، ومنظمة بالتعاون بين العاملين والمشرفين وأصحاب السفر. ويتم تقديم الوجبات وفق اشتراطات عدة، تشمل إحضار فرش مناسب يتسع للمائدة ومن يجلس حولها، وأن تكون السفر من النوع السميك القوي الذي لا يتمزق عند رفعه من الأرض، وعدم إحضار أي نوع من السوائل أياً كانت، ما عدا اللبن والماء والمشروبات المعبأة آلياً، ويكون تقديم الوجبات في أطباق مناسبة تتوافر فيها الشروط الصحيحة، ومنها أن يرتدي مقدمو الوجبات القفازات اليدوية خلال تجهيز الوجبات وتقديمها، والاكتفاء بما يقدم على السفرة، وعدم توزيع أي شيء خارج موقع المائدة. جدير بالذكر أن موائد الحرم الشريف ضاربة في أعماق التاريخ منذ فريضة الصيام، والقدوم الميمون لخير البشر، وخاتم الرسل -صلى الله عليه وسلم-، متجاوزة أربعة عشر قرناً وثلاثة عقود، ويذكر كبار السن أن هذا الإرث التاريخي تناقلته أسر وقبائل بعينها خلال العقود الأخيرة، فباتت تتوارث مواضع في المسجد النبوي للسفر المخصصة لها جيلاً بعد آخر، في فاصل زمني طويل يتجاوز الجد الرابع أو الخامس. اسر توارثت مواضع في الحرم لتقديم موائد رمضان تجهيز التمر لتوزيعه على الموائد رقابة وإشراف Your browser does not support the video tag.