يوجد في دماغ الإنسان أكثر من مئة مليار خلية عصبية تتبادل المعلومات فيما بينها بسرعة الكهرباء.. اضرب هذا العدد في عدد التفرعات والتقاطعات والتشابكات التي تحصل بينها، ستخرج باحتمالات تفوق عدد النجوم في السماء وحبات الرمل على شواطئ العالم مجتمعة.. هذه الشبكة المعقدة (وذات السرعة الخارقة) تجعلني لا أستبعد أي نتائج غريبة أو خارقة يفرزها جهاز عصبي بهذه القوة والتعقيد.. نعرف أن خوارق الدماغ كثيرة، ولكن قليل منا يفكر في أن قدراته المذهلة تستمر حتى أثناء النوم.. لاحظ مثلاً كيف يختلق الدماغ (حين ننام) أحداثاً ومواقع وأحاسيس وعالماً افتراضياً كاملاً - في حين تغط حواسنا الخمس في سبات عميق.. لاحظ كيف ينشغل (حين ننام) بحل المعضلات والمشكلات التي واجهناها ولم نجد لها حلاً أثناء استيقاظنا نهاراً.. قد يستغرق بعض الوقت لتنظيم المعطيات وجمع البيانات، ولكنه حين ينتهي يقدم الحل فجأة في وقت غير منتظر فندعوه إلهاماً أو فتحاً من الرحمن! مجلة «نيوساينتست» قد نشرت تقريراً يؤيد الفكرة السائدة بين الناس أن النوم -أثناء التفكير في مشكلة عويصة- قد ينتهي بحلها قبل الاستيقاظ صباحاً؛ فحين ننام تنام كامل أعضائنا ما عدا الدماغ الذي (يستغل الفرصة) لتنظيم المعلومات وترتيب المعطيات التي تلقاها أثناء اليقظة - وبالتالي ليس صحيحاً أن من طلب العلا سهر الليالي!. وفي كلية الطب بجامعة هارفارد أثبت الدكتور بوبستيجولد هذا الأمر من خلال المقارنة بين مجموعتين من الطلاب (الأولى مستيقظة منذ فترة طويلة، والأخرى نالت كفايتها من النوم).. اتضح في كل مرة تفوق المجموعة الثانية في اختبارات الذكاء وحل المسائل المعقدة في حين تتخلف المجموعة الأولى (المستيقظة) كونها تفعل ذلك بعد يوم عمل مجهد وفترة استيقاظ طويلة!. وكنت قد كتبت مقالاً قديماً أشرت فيه إلى أن معظم العباقرة والمبدعين استفادوا من عمل أدمغتهم أثناء النوم. ضربت مثلاً باكتشاف نيوتن لقانون الجاذبية –أثناء نومه تحت شجرة التفاح- واكتشاف البيروني لمحيط الأرض وأرخميدس لقانون الطفو ومندليف للجدول الدوري وأوغست لتركيبة البنزين (خلال نومهم أو نعاسهم أو بعد استيقاظهم مباشرة).. وفي حال تأملت نفسك جيداً -أو سألت الناس حولك- ستكتشف أن جميعنا واجهته مشكلات لم يجد لها حلاً أثناء النهار ثم يفاجأ بحلها بعد الاستيقاظ مباشرة.. ستكتشف أن معظمنا جرب متعة الاستيقاظ صباحاً بذهن صافٍ وفي رأسه (حلول مبتكرة) لمشكلات لم يفكر فيها أصلاً.. .. كل هذا يشجعني على تقديم نصيحة ذهبية لمن ينشد الإبداع: لا يوجد دماغ عاجز عن الإبداع، بل توجد عادات شخصية ومواقف ذهنية تحول دون تصيدنا وتسجيلنا للحظات الإلهام والإبداع - بما في ذلك كتابتها فور استيقاظنا من النوم.. Your browser does not support the video tag.