جمعتني الأقدار عند عتبات طلل بقرية «فيد» قرب مدينة حائل، بالمترجم عبدالله الزماي، والآثاري فريح الشمري، قُبيل مغيب شمس الجمعة الرابع من شعبان لعام 1439. في معادلة ابتكرتها لجنة فيد الثقافية إذ جمعتني بهما في أحد مناشطها الوليدة في سلم الزمان والفاعلة في سلم المكان والامكان. بينما هم وقوف على أطلال فيد الأثرية التي تقع في منتصف درب زبيدة بين بغدادومكةالمكرمة، نهضت من غفوة التاريخ قافلة مكونة من ألف جمل تتمايل على مهل كأنها رؤوس الخيام، قادمة من أقصى الشمال متجهة إلى الجنوب، دنت فأقامت قرب أسوار حاضرة فيد العباسية، انبرى لها من الدور والأزقة أطياف تجارٍ، طلبة علمٍ، علّهم يجدون في القافلة رزقا من مال، أو عالِم نِحرير يقصد جوار أم القرى. تزاحمت الأسواق، غصت حوانيتها بسلع عراقية، اصطف الرعاء يستقون من الآبار والبرك، التفت حول سواري المسجد حِلق علماء يدرسون، وصرير أقلام الطلبة اللاهثة تسابق الزمن تنسخ مخطوطا قبل الرحيل. ثم آن الظعن إلى الحج، فأذن الحادي يا أيتها العير شوقا بكة مكة، شُدت الركائب، استوى فوق الهوادج نساء وصبية، استلم الرجال أخطمة الإبل. كانت العيس تمضي ومن خلفها الراجلة من فقراء المسلمين والدراويش يحملون جِرارا فخارية يندلق منها ماء فيد الغزير. مضوا تلفهم غمامة من مثار الأرض ينبعث منها تلبية وتهليل، يتابعون معالما على طريق درب زبيدة العتيق.. وقفوا ثلاثتهم يتأملون استدارة رجم، ويلتقطون كِسر من فخاريات قاومت هيبة القرون يستحضرون آمالا وأحلام العابرين للتاريخ، كانت أطياف حاضرة يحادثونها رغم صمت الجبال والوديان والوهاد.. إن طريق زبيدة يوازي في أهميته التاريخية طريق الحرير، وطريق حجاج القدس، وغيرها من الدروب عبر العصور، ومن فضل الله اكتشفت حديثا فيد التاريخية بأيدٍ سعودية، هذه الآثار الموزعة على كافة أنحاء الوطن فرصة استثمارية عظيمة، لو سُوَّق لها فإنها قادرة على وضع السعودية في قلب خارطة آثار العالم ومزاراتها؛ ممّا يخلق فرص عمل متنوعة للشباب السعودي، ويساهم في دورة عجلة الاقتصاد التي نشهدها، محققة بذلك أحد أهداف الرؤية وتقليل الاعتماد على النفط وإيجاد بدائل أخرى. يبدو أن قدر إنسان الجزيرة العربية في العصر الحديث أن يمشي فوق كنوز أرضها المخبوءة، منقبا عن معادنها ونفطها وآثارها، فالله الله بمقدرات الوطن. Your browser does not support the video tag.