قدمت البشرية خلال العقدين الأول والثاني من القرن الواحد والعشرين إنجازات مذهلة وعظيمة في مختلف المجالات؛ في مجال التكنولوجيا، الطب، الفنون، الهندسة وفِي شتى العلوم؛ كعلوم الطبيعة، الفلك الاقتصاد والسياحة، فهذا الزخم المعرفي والتطور الهائل كان ولا يزال له الأثر العظيم في تغيير ملامح البلدان باستمرار. لكن المفارقة العجيبة تكمن في تطور الوعي البشري فهو لايزال مُختزلاً لدى البعض بقاعدة فكرية محددة، مقيدة ومتلقية بعيدة عن أن تكون مُفكرة باحثة ومحللة. فنضوج الوعي البشري لا يُقاس بالشهادات العلمية ولا بالمراكز العملية، فلا علاقة لهما بحالة وعيك الداخلي، الذي في المقابل ينعكس على تصرفاتك مع الآخرين من حولك، ولعل في مشاهدة بعض البرامج التلفزيونية التي تُشعل المشاجرات السياسية، ولا تحترم الفروقات الاجتماعية والفكرية أكبر دليل على غياب الوعي البشري بتغييب ثقافة الحوار، حرية الفكر، واحترام الرأي الآخر. وقد لا يكون من المهم هنا، أن نستعرض صور غياب الوعي البشري المختلفة، بل الأهم من ذلك هو أن نستطيع معرفة أسبابه، فكما يُقال «إذا عُرف السبب، بَطُل العجب»!. فقد ذكر إيكهارت تول المتحدث والكاتب الألماني في كتابه الشهير «الأرض الجديدة « أن الأنا المزيفة هي من أكبر العوائق التي تقف حائلاً ضد تفتح الوعي البشري، والأنا المزيفة؛ ما هي إلا مجموعة من الأفكار والأشياء التي يستمد منها المرء إحساسه المتوهم بهويته الذاتية. فالأنا من منظور أعمق هي عملية التماهي مع الإنجازات الفردية والحاجة الملحة للإحساس بالتفوق والأفضلية؛ فإذا شعر أحدهم أن الآخر يعرف أكثر منه، أو يمكنه أن يفعل أفضل منه إنهار عالمه وأصابه الجنون وشعر بالتهديد فحينئذٍ يفعل كل ما بوسعه لأن يستعيد نفسه؛ بممارسة الانتقاد، الانتقاص وحتى الإسقاط. ومن أكثر ما يعزز الأنا، أن تشعر بأنها مُحقة عَلى الدوام تُخطئ الآخر، تُشخصن كل شيء وتستميت من أجل حماية الأفكار ووجهات النظر من النقد. فإذا ما وجدت نفسك تُكثر من قول (أنا أعرف أكثر منك، وأعلم بمصلحتك منك.!) فأنت بذلك تتحول من إنسان مُنصف إلى إنسان أناني. ومن أكثر صور الأنا المزيفة انتشاراً اليوم التماهي مع ما تملك كالملابس، السيارات والمجوهرات، أو التباهي بشكلك وقدراتك الجسدية إلى حد يجعلك تحتفي بها كأدوات تُعزز من ذاتك. فالأنا المزيفة هنا تولد لدينا إحساساً بالأهمية في نظر الآخر، فإن لم نستطع الحصول على المزيد تحول ذلك إلى الشعور بالحرمان، النقص وحتى الدونية. وختاماً، إن الأنا المزيفة كالنظارة السوداء على عينيك، لن تكون قادراً على رؤية معالم الحياة بوضوح إن لم تخلعها وتتخلص منها. Your browser does not support the video tag.