في مقاييس الذكاء العام تعتبر الدرجة الواقعة بين 85 - 110 هي الغالبة بين معظم الناس، أما أقل من ذلك فتنحدر إلى مستوى الحمقى والمعتوهين وأكثر من ذلك الى مستوى العباقرة والمبدعين (وصولا إلى 200 درجة التي لا تتوفر إلا لشخص واحد من بين كل ستة ملايين)! وبعكس ما يظنه معظم الناس فإن الذكاء غير العبقرية – وإن كان أحد أهم عناصرها الأساسية.. فقد تصل درجة ذكاء البعض الى 200 درجة ومع ذلك لا يملكون موهبة الإبداع والابتكار، وفي المقابل قد يمتلك تلك الموهبة إنسان أمي بالكاد تصل درجة ذكائه إلى المائة درجة (...وسبق أن كتبت مقالا تساءلت فيه عن سر اختفاء أصحاب الذكاء الخارق من الأطفال الذين نقرأ عنهم بين الحين والآخر ثم لا نسمع عنهم لاحقا ولا يصلون أبدا لمستوى الابداع أو شهرة العباقرة).. ومن العلماء من يعتقد أن درجة الذكاء الواقعة بين 100 120 هي الحد الأدنى الضروري لعملية الإبداع، في حين أن الزيادة عن هذا الحد لم تقدم إضافات قوية أو حاسمة في الموضوع.. والشيء المؤكد هنا أن توفر قدر مناسب من الذكاء أمر ضروري في عملية الإبداع.. فالذكاء أحد العناصر الوراثية التي يجب توفرها في كل عبقري، ولكن عملية الإبداع ذاتها تتطلب بجانب الذكاء توفر عوامل أخرى مهمة (كالموهبة، والاهتمام، والجراءة، وأصالة التفكير، ومخالفة المعتاد.......) وبناء عليه يمكن القول اختصاراً: كل عبقري ذكي، ولكن ليس كل ذكي عبقرياً !! ... ويؤيد هذه الحقيقة التجربة (الطويلة جداً) التي أقام بها عالم النفس الشهير تيرمان.. فهذا العالم أجرى اختبارات واسعة على مجموعة كبيرة من أطفال المدارس، ثم راقب الفئة التي حصلت على درجة ذكاء مرتفع حتى تخرجوا من الجامعة ومارسوا حياتهم العملية.. وفي النهاية خاب أمله حين لم يصبح أي منهم عبقرياً بالمعنى المفهوم ، وإن كان معظمهم غدا من صفوة المجتمع الأمريكي! وكانت عالمة النفس كاترين كوكس من جامعة ستانفورد قد قامت بدراسة شيقة لقياس درجة ذكاء ثلاثمائة عبقري مشهور بناء على ما توفر من سيرهم الذاتية.. – Catherine Cox, Early Mental Traits of 300 Geniuses (1926) ومن النتائج التي توصلت إليها أن كثيراً من الإنجازات والابتكارات (المشهورة) صدرت من عباقرة، ذكاؤهم متواضع نسبياً. فكولومبس ومندل مثلاً لم تتجاوز درجة ذكائهم مستوى إنسان عادي جداً (حيث مات كولومبس وهو يعتقد أنه اكتشف الهند وتوفي مندل وهو لا يعلم أنه أسس علم الوراثة ).. فشهرة الإنجاز وفائدته الكبيرة قد توحي للناس بأن مبدعه شديد الذكاء في حين قد تكون الحقيقة غير ذلك (ومثال ذلك شهرة برنامج ويندوز التي أوحت بامتلاك بيل جيتس عبقرية يصعب تكرارها، في حين أنه مجرد أسبقية تجارية وصناعية يصعب اللحاق بها). وفي دراسة كوكس السابقة نجد أن فارادي (وهو فيزيائي اكتشف مبدأ توليد الكهرباء واخترع الدينمو) بالكاد تجاوز ذكاءه المائة درجة رغم شهرته الكبيرة، وكذلك الحال مع كالفن، وباخ، وكوبرنكيس، ونيوتن (الذي نال 135 درجة) .. وفي المقابل هناك عباقرة شبه مجهولين نالوا درجات ذكاء عالية جداً مثل جون ستيورات ميل (200 درجة) وتوماس ماكولي (190 درجة) وجوجروسيس (180 درجة).. كما وجدت كوكس فئة ثالثة تناسبت درجة ذكائهم مع عظمة إنجازاتهم مثل العبقري الإيطالي ديفنشي (الطبيب والمخترع ورسام الموناليزا) الذي تجاوز ذكاءه 200 درجة ، والفرنسي باسكال عالم الرياضيات ومخترع الحاسب اليدوي الذي حصل على 190 درجة، والأديب الألماني جوته، وصاحب النظرية النسبية أنشتاين اللذان تجاوزا 180 درجة.. وكل هذه المفارقات تعيدنا إلى عنوان المقال وتؤكد مجددا بأن كل عبقري ذكي، ولكن ليس كل ذكي أو متفوق عبقرياً بالضرورة (ولنا عبرة في ملايين الجامعيين حول العالم) !