من أجل رفاه شعوبها وفي سبيل المزيد من الرُّقي والتقدم الصناعي والوصول إلى آفاق المعرفة والاعتماد على الذات تُخطط كُل دول العالم وتتبع مختلف السبُل لتحقيق التنمية الاقتصادية والتقدم الصناعي وتحسين المستوى المعيشي للسكان اعتماداً على اقتصاد السوق، إلاّ أن بعض الدول لا تُحقق النجاح ذاته، لأسباب عدة، منها انعدام "ثقافة اقتصاد السوق"، وهو ما يعيق برامج التنمية ويحُد من تحسن الظروف الاقتصادية؛ وجراء ذلك لا تزال بعض ما يُسمى بدول العالم الثالث تقبع تحت وطأة الفقر والبطالة المقلقة، فيما نجحت أخرى في الصعود إلى أعلى سلم التقدم الصناعي والرفاه الاقتصادي. هنا.. أتطرق إلى تجربة كوريا الجنوبية كأنموذج للدول الناهضة اقتصادياً وصناعياً، والتي عُرفت أيضاً كواحدة من الدول التي عُرفت حتى وقت قريب بالنمور الآسيوية قبل تعرض تلك المجموعة لهزة عنيفة في آواخر التسعينات الميلادية من القرن الماضي كادت تقضي على التقدم الذي أحرزته تلك الدول وتعود بها إلى الوراء، حيث تعرضت ولأسباب عديدة منها النظرية التآمرية والتي عُزيت إلى جهات من خارج المنطقة إلى تدهور اقتصادي وتأزُّم مالي شديد أصاب أسواقها المالية وكثير من الدول الآسيوية بدءاً من شهر يوليو عام 1997، وتسبَّبت تلك الأزمة بمخاوف من تحوُّلها إلى أزمة عالمية.. وكانت كلٌ من إندونيسيا وتايلند وكوريا الجنوبية من أكثر الدول تضرراً، الأمر الذي دفع بصندوق النقد الدولي حينها إلى التدخل المباشر وضخ أكثر من 40 مليار دولار إلى اقتصادات تلك الدول الأمر الذي أسهم على نحو ملموس في ثبات اقتصاداتها والعودة إلى تحقيق النمو. وعليه، لم تكُن طريق التنمية في كوريا الجنوبية معبدة، ولا كانت تملك المصادر الطبيعة كما ذكرت، كما لم يكن لديها من الخيارات الكثير، بل خياراً واحداً هو العنصر البشري، إضافة إلى التخطيط الاستراتيجي بعيد المدى والاعتماد على قاعدة واسعة من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي توظف أكبر قَدر من البشر، وتكوِّن مجتمعة القاعدة الاقتصادية اللازمة للنهوض، والاعتماد على اقتصاد السوق؛ وحققت عبر ذلك ما كان يُعتبر حلماً يُراود الكثير من الساعين إلى التقدم الاقتصاي والرفاه الاجتماعي. وقد كان، بعد أن كان الاقتصاد الكوري اقتصاداً يتسم بالتخلف والركود، ويعاني مشكلات لا حصر لها. لقد عكفت الحكومة الكورية مع بداية ستينات القرن الماضي بداية من العام 1963 على وضع خطة استراتيجية للتنمية الاقتصادية وحققت نجاحاً كبيراً، حيث استطاعت أن تخلق معجزة اقتصادية كانت نقطة تحول في تاريخ اقتصاد كوريا. وبغض النظر عن الأساليب التي اتبعتها كوريا في تحقيق التنمية الاقتصادية، فهذا ليس موضوع هذه المقالة،فقد استطاعت تحقيق معدلات نمو عالية حيث تم بنجاح تنفيذ العديد من برامج التنمية والخطط الاقتصادية الفعالة. ونتيجة لذلك، زاد إجمالي الدخل القومي الكوري من 2.3 مليار دولار في سنة 1962 إلى 680.1 مليار دولار في عام 2004م، ارتفع بعد ذلك إلى 1007 مليار دولار أميركي عام 2010م، تُعادل 1459 مليار دولار. بمقياس "تعادل القوة الشرائية" PPP. ليصعد في العام 2016م إلى 1411.25 مليار (بحسب Trading Economics) ويحتل بذلك المركز الثالث عشر في قائمة أكبر اقتصادات العالم، ما رفع دخل الفرد إلى 30,000 دولار بمعيار القدرة الشرائية، الأمر الذي يعني دخول المواطن الكوري دائرة الدول الأكثر ثراءً؛ إن السياسة المالية التي انتهجتها الحكومة الكورية في خلق نوع من نهضة المنشآت الصغيرة كانت بإيجاز في النقاط التالية: * وجهت الحكومة العديد من المزايا لتلك المشروعات مثل الإعفاءات الضريبية، وتخفيض الرسوم الجمركية على وارداتها من منتجات لا تنافس الإنتاج المحلي. * أنشأت الحكومة، عام 1976 صندوقاً خاصاً لتقديم الدعم المالي لتلك المشروعات إضافة إلى تخفيض قيمة الضريبة على الدخل بنسبة 50 %، وبفضل كل تلك السياسات، وصلت نسبة مشاركة إنتاج تلك الصناعات إلى حوالي 39.7 % من صادرات كوريا الجنوبية. * إنشاء هيئة لتشجيع تلك المشروعات تعمل على تقديم الدعم الفني، والإداري وتدريب العمال، وإنشاء مدن صناعية، وتدعيم التعاون بين المنشآت الصغيرة، والمتوسطة، الكبيرة لإحداث نوع من التكامل في الإنتاج، حتى أصبحت المشروعات الصغيرة، والمتوسطة توجه 60 % من إنتاجها للمشروعات الكبيرة. إن دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة عبر الأخذ بتجربة كوريا الجنوبية أمرٌ يكتسب أهمية استثنائية، وهو بلا شك ضامن أكيد للنهوض بالصناعة الوطنية عبر التركيز على الدور المحوري الذي يجب أن تضطلع به هذه المؤسسات لتحقيق التقدم الاقتصادي المنشود في ظل الرؤية 2030 التي وضعت السياسات والأطُر اللازمة لنهضة اقتصادية وصناعية وتنموية شاملة.. شخصياً أرى أننا في الطريق الصحيح سائرون، وفقط المزيد من التركيز والتخطيط والاستفادة من تجارب الآخرين ودعم قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لنضع اسم المملكة في قائمة الدول الصناعية في مجالات الصناعات الأخرى، حيث هي الآن في الصف الأول لجهة صناعة البتروكيماويات والطاقة عموماً.. وإنّ غداً لِنَاظِرِه قَرِيب. *عميد كلية الأعمال * جامعة الملك خالد بأبها Your browser does not support the video tag.