هناك أنفس زكيّة، لها رائحة العطر، والعود، والعنبر، ونكهة الفاكهة الطرية.. أنفس جاذبة، مليئة بالحب، والصفاء، والنقاء، والألفة.. قد صاغها الله، لتكون زينة الإنسان، والإنسانية، تراها تحب الخير، والانتماء إلى كل خير، وإلى العطاء والبذل، ليس تصنعاً، ولا رياءً، ولكنها الطبيعة التلقائية، تماماً كتلقائية النبع المتدفق، وتلقائية الزهر الفوّاح، وتلقائية القمر المشع، والشمس المشرقة، وتلقائية الطيور المغردة، إنها أرواح سكنتها المحبة، لا تعرف الكراهية، ولا الحقد، أو البغضاء، ولا الكيد، ولا سوء الظن، أو الارتياب. وهذا ما يجعل الحياة، جميلة، وأنيسة، ومفرحة، مليئة بالتفاؤل والمحبة، والخير، فهؤلاء هم شموع وقناديل الحياة، التي تطرد الظلام والشر، ليس في قلوبهم إلا الضياء والبياض، والسلام.. بينما هناك أنفس دغلة، وغلة، لها روائح كريهة منكرة تزكم الأنف والروح.. لها لون القباحة وشكل الكراهية.. أصحابها أنانيون، حاقدون متعصبون، كارهون.. أنفسهم ضيقة، وحواصلهم ضيقة، يحاورون بعنف، ويجادلون بمقت.. أنانيون نفعيون، فالحياة بالنسبة لهم نهب وسلب، وسطو، واستنفاع، واستقواء، ولكي تكون في نظرهم إنساناً فيجب أن تكون ظلاً لهم، وصدى تردد ما يقولون بحماقة وغباء.. ثقافتهم أن يكونوا هم، أما غيرهم فيجب أن يكونوا أتباعاً لهم تحت ستارهم وفي قيد تصرفهم.. وأسوأ شيء وأقبح شيء أن يدخل هؤلاء في دائرة الثقافة والفكر، فإذا كانت الثقافة تتسم بالسعة، والرحابة، وتمازج الأضواء في الفن والإبداع، وإذا كان الفكر يتسم بالأخذ والعطاء، والحوار، والإقناع فإن أولئك متعصبون لأفكارهم، متحجرون في نقاشاتهم، يغلبون أهواءهم، وعواطفهم، وولاءاتهم على التأمل، ومراعاة فكر الآخر، وعقله، وحقه فيما يؤمن به.. إنهم من يضعونك عمداً في الغرف الخانقة كي تتنفس بصعوبة وتتحدث بصعوبة.. مع أنهم يدعون في الظاهر والعلن إلى التسامح والديموقراطية، واحترام رأي الآخر، لكنهم عند الممارسة والمنازلة، تظهر وحشيتهم الفكرية والسياسية وضلالاتهم، وأهواؤهم التسلطيّة الجائرة.. وإذا كان ذلك النوع من الطيبين هم قناديل ومصابيح الحياة، وهم من يمنحك محبتها، والإحساس بجمالها، لسماحة أنفسهم، ومرونة أفكارهم واستنارة عقولهم.. فإن أولئك الأشرار هم شوك الحياة، ومخالبها السامة.. يظهر ذلك في كتاباتهم، وأحاديثهم المليئة بالجور والمغالطات، والمراوغات، واتباع الهوى والمصلحة، وتغليب الغي على الحق والرشاد، ومتى طغى هؤلاء، واستولوا على المشهد الفكري، والثقافي فلا شك أن ذلك يؤذن بالخراب، والدمار، وسوء المنقلب ورداءة المصير.. Your browser does not support the video tag.