نتحدث اليوم عن إحدى الحالات الطبية التي أخذت بعداً إعلامياً كبيراً، كما تم تداول مقاطع عن طريق قنوات التواصل الاجتماعي خلال الأيام القليلة الماضية، البعض منها تناولها بشكل غير دقيق، مما أثار القلق لدى بعض فئات المجتمع ممن يجهل طبيعة تلك الحالة وسهولة علاجها ومأمونية مضاعفاتها. الجرب مرض جلدي معدٍ، تسببه القارمة الجربية والتي قد تكون غير ملاحظة بالعين المجردة، تلك الحالة الجلدية تصيب الملايين حول العالم بكافة طبقاتها وفي مختلف الأعمار، أكثر الأعراض شيوعاً هي الحكة الشديدة وطفح جلدي يشبه البثور، المسببة لتلك الحالة تميل إلى البقاء في الأماكن الدافئة في جسم الإنسان وطيّات الجلد وثنايا الجسم كالإبطين وبين الأصابع وتحت فراغات الأظافر، في حين لا تستطيع البقاء خارج جسم الإنسان أكثر من يومين إلى ثلاثة أيام. العثة المسببة للمرض؟ في القرن الثامن عشر وصف عالم الأحياء الإيطالي دياسينتو سستوني العثة والتي تسمى حالياً بالقارمة الجربية أنها سبب في حدوث مرض الجرب؛ القارمة جنس من طفيليات الجلد، وجزء من العائلة الأكبر للعث التي تعرف باسم عث الجرب، وهذه الكائنات الحية البالغة منها لديها ثماني أرجل، يبلغ حجم القارمة الجربية أقل من 0.5 ملم، لكنها تبدو في بعض الأحيان بشكل واضح عند بروزها من البيض، الإناث الحوامل تشكل نفقاً في الطبقة الميتة الخارجية من جلد العائل، وتودع البيوض في الجحور الضحلة، ويفقس البيض إلى يرقات خلال 10 أيام، صغار العث تنتقل عبر الجلد وتدخل في مرحلة "الحوريات"، قبل أن تنضج وتصبح بالغة، والتي تعيش ثلاثة إلى أربعة أسابيع في جلد المضيف، ثم تموت ولكن بقاء بويضات لها تجعل التكاثر مستمراً، الذكور منها تتجول على الجزء العلوي من الجلد، وأحياناً تقوم بالحفر داخل الجلد. بشكل عام فإن العدد الإجمالي من العث البالغة التي تصيب الشخص الصحي في حالة الجرب هو عدد صغير، حوالي 11 حشرة من الأنثى في الجحور في المتوسط، حركة العث داخل وعلى الجلد تنتج حكة شديدة، والتي تمتاز بالاستجابة المناعية الخلوية المتأخرة لمسببات الحساسية، توجد الأجسام المضادة في بلازما الدم، وفي موقع الإصابة، والتي تتفاعل مع المواد المسببة للحساسية متعددة البروتين في جسم حشرة العثة. كيف تحدث الإصابة؟ تكثر في أماكن الازدحام كالمدارس ودور الحضانة وغيرها، ينتقل المرض بالاحتكاك الجسدي المباشر مع الشخص المصاب أو قد ينتقل بصورة أقل من خلال استعمال أشياء المريض من أغطية أو مناشف أو ملابس مشتركة، لا ينتقل المرض من خلال التنفس، تغزو تلك السوسة الجلد حيث تعمل على حفر أنفاق صغيرة ووضع بيوضها، العدوى الأولية تحتاج عادة من 2 - 6 أسابيع قبل ظهور الأعراض، أما إذا أصيب الشخص بعدوى للمرة الثانية تظهر الأعراض خلال يوم إلى ثلاثة أيام، ويمكن لهذه الأعراض أن تظهر في معظم أنحاء الجسم أو في مناطق معينة فقط، مثل الرسغين، وبين الأصابع، وحول الثديين، والأعضاء التناسلية، وقد تتأثر فروة الرأس والوجه وراحة اليدين وباطن القدمين لدى الرضع، ولكن عادة ما يصيب الأطفال الصغار بصورة أكثر من البالغين، تسوء الحالة في ساعات الليل، وعند خدش الجلد بسبب الحكة قد يسبب تفاقم حالة الجلد، والإصابة بأنواع أخرى من العدوى البكتيرية. * هل يمكن أن ينتقل الجرب للإنسان من الحيوان؟ * لا، الأنواع المسببة للجرب في الحيوانات لا تنتقل للإنسان، وإذا حدث تلامس بين جلد شخص سليم وحيوان مصاب بالجرب فإن العثة المسببة للجرب في الحيوان لا تبقى ولا تتكاثر في جلد البشر، وإنما قد تسبب تهيجاً وحكة بسيطة وتموت العثة خلال 48 ساعة. * هل يمكن أن ينتقل الجرب عن طريق المسابح؟ * من غير المحتمل أن تكون تلك إحدى وسائل انتشار الجرب عدا حالات الجرب المتقشر، كما في حالات الإصابة لدى الأشخاص ذوي المناعة المتدنية. ما أعراض الإصابة؟ تشمل الأعراض المميزة لعدوى الجرب: الحكة الشديدة، والجحور السطحية، والتي تظهر كرد فعل على وجود العث، وتبلغ أقصى حالاتها سوءاً في الليل، ربما لقلة المنبهات الأخرى، وانشغال الشخص المصاب بالحكة. يحدث الطفح عادة في منطقة تشابك أصابع اليدين والقدمين ومنطقة الرسغين الأمامية والمرفقين والظهر والأرداف، والأعضاء التناسلية الخارجية وتحت الثديين عند النساء. وتتشكل الجحور عن طريق قيام العثة البالغة بالحفر في البشرة، في أغلب المصابين المسارات التي تشكلها العثة الحافرة تكون خطية أو على شكل الحرف S في الجلد، وغالباً ما ترافقها صفوف صغيرة من بثور تشبه بثور البعوض ولدغات الحشرات، ما بين توقيت الإصابة وتوقيت ظهور الأعراض حوالي 4 أسابيع في المتوسط، وهي فترة الحضانة، وخلال تلك الفترة يبقى المصاب معدياً قبل ظهور الأعراض عليه، وبالمثل فإن الأعراض غالباً ما تستمر لمدة تتراوح بين أسبوع إلى شهر حتى بعد القضاء الناجح على العث. * كيف يمكن تشخيص الجرب؟ * يمكن تشخيص الجرب سريرياً في المناطق الجغرافية التي يعتبر مرض الجرب شائعاً فيها، عندما تظهر الحكة المنتشرة، أو عندما يعاني فرد آخر من الأسرة من الحكة، العلامة النموذجية للجرب هي الأخاديد التي تتشكل عن طريق العث داخل الجلد، للكشف عن الجحور يتم فرك المناطق المشتبه بها بالحبر أو محلول التتراسيكلين الموضعي، الذي يضيء تحت ضوء خاص، ويتم مسح الجلد بعد ذلك بقماشة تحتوي على الكحول، إذا كان الشخص مصاباً بالجرب فإن نمط S أو المتعرج سيظهر عبر الجلد من منطقة الجحر، على الرغم من ذلك فإن تطبيق هذه الاختبارات قد يكون صعباً، يتم إجراء التشخيص الدقيق عن طريق إيجاد إما حشرات العث أو بيضها، البحث عن هذه العلامات يشمل إما كشط المنطقة المشتبه بها وجمع العينة في هيدروكسيد البوتاسيوم وفحصها تحت المجهر، أو باستخدام مجهر لفحص الجلد مباشرة. * هل يمكن للمصاب للمرة الأولى أن يكتسب المناعة؟ * بما أن المسبب خارجي وسطحي فإن الإصابة لا تحدث مناعة لدى المصاب، واحتمال إصابته مرة أخرى وارد، وكما ذكرنا آنفاً فإن الإصابة للمرة الثانية تختص بفترة حضانة قصيرة، الفترة بين توقيت الإصابة وبين توقيت ظهور الأعراض تتفاوت بين يوم إلى ثلاثة أيام. طرق الوقاية من الجرب لا يوجد لقاح لتلك الحالة باعتبارها إصابة خارجية، ولكن يمكن الوقاية منه بالتشخيص الدقيق لأي حالة اشتباه وعزلها وعلاجها وعدم السماح للطفل أو للمصاب بشكل عام بمخالطة الآخرين إلا بعد مرور 24 ساعة من بدء المعالجة، وعلاج كل المخالطين للمصاب حتى وإن لم تظهر عليهم الأعراض لأنهم قد يكونون يعيشون فترة حضانة العثة، وكذلك عدم استخدام أشياء المصاب التي تم استخدامها خلال الثلاثة أيام السابقة، وغسلها بالماء الحار، وتعقيمها، أو وضع الأشياء غير القابلة للغسل في محتوى محكم الإغلاق، أو كيس لمدة 3 - 5 أيام، فهو كفيل بقتل العثة، كذلك الاهتمام بالنظافة الشخصية. مضاعفات المرض في الغالب تقتصر الحالة على الأعراض الجلدية من الحكة والبثور والاحمرار أو الالتهابات البكتيرية الثانوية. العلاج يستخدم كريم موضعي يحتوي مادة البيرميثرين 5 %، ويعتبر خط العلاج الأول، حيث يدهن به كامل الجلد من الرقبة حتى أصابع الأرجل، وخصوصاً ثنايا الجلد، حيث إن بقاء طبقة الكريم على الجسم فترة 8 - 14 ساعة كفيلة بقتل العثة المسببة للمرض، ويمكن استخدامه للأطفال من عمر شهرين، أما الأقل عمراً من شهرين فيمكن استخدام الكبريت بتركيز 5 - 10 %، يوجد عدة علاجات موضعية أخرى مثل كروتاميتون 10 %، ويستخدم للبالغين فقط، محلول موضعي الليندين 1 % لا يعتبر العلاج المفضل، حيث يعتبر مادة سامة خوفاً من دخوله الفم، كما لا يستخدم للحامل أو المرضع أو الأطفال بشكل عام وأصحاب الجلد الحساس، وأخيراً حبوب الإيفرميكتين لا توجد دراسات تثبت مأمونيتها على الأطفال والحوامل، كما لم تتم الموافقة عليها من قبل FDA هيئة الغذاء والدواء الأميركية. Your browser does not support the video tag.