الأديب والقاضي والفقيه الحنفي إبراهيم بن عبدالقادر بن الأفندي عمر البري الهاشمي المدني، ولد بالمدينة النبوية سنة 1281ه، أحد أبرز علماء الحجاز ورجالات التعليم في القرن الرابع عشر الهجري، كان مرجعاً للفتوى وقاضياً بالمدينةالمنورة في العهد العثماني، ثم عهد الأشراف وفترة من العهد السعودي، من سنة 1344ه إلى سنة 1346ه، ثم استقال من القضاء، واقتصر على الإفتاء ولم ينقطع عن التدريس بالحرم النبوي الشريف، متمتعاً بما له من المكانة والمهابة والإجلال في قلوب الناس وما له من واسع المعرفة وكريم الأخلاق وجليل الشيم. ينتسب الشيخ إبراهيم إلى آل البري من المدينةالمنورة، وهي عشيرة جمعت بين شرف النسب والعلم، وبرز منها عدد من العلماء والأدباء، وتولى كثير منهم الخطابة والإفتاء والقضاء في المدينةالمنورة، وقد ولد الشيخ إبراهيم - قاضي العهود الثلاثة - بالمدينةالمنورة سنة 1281ه، الموافق 1864م، حفظ القرآن الكريم، وكثيراً من المتون، وخاصة «كنز الدقائق»، ومجموعة لا بأس بها من الأحاديث النبوية الصحيحة، وقد جمع الله له نعمتين يغبطه عليها كثير من الناس، وهما بره لوالديه، وحرصه والتزامه بحلقات الدرس وطلب العلم. أسلوب مميز درس الشيخ إبراهيم آل البري على يد والده والشيخ حماد وعلى الشيخ إبراهيم الأسكوبي، كما درس علوم البلاغة والرياضة وأصول الفقه والمنطق على الشيخ حبيب الرحمن والشيخ عبدالقادر الطرابلسي، كان يجيد اللغة التركية ويتكلم الفارسية، وكان للشيخ إبراهيم البري أسلوب مميز في تدريسه للعلوم الدينية والعربية، فهو يتناول الموضوعات عن أصولها ويبعد عن الحواشي، وذلك ساعد طلابه على التركيز أكثر، فنشطوا للسماع والأخذ منه، وتميز عنده الطلاب الذين لم يكن لهم رغبة في طلب العلم لأن طريقة تدريسه وأسلوبه ساهمت في ترغيبهم أكثر بالدروس وحضور حلقات الدرس، ولم يكن ذلك لينجح إلاّ بتوفيق من الله سبحانه ثم حسن تقرير الشيخ وجودة تصرفه في إلقاء المسائل على تلاميذه، وكان من تلاميذ الشيخ كل من أحمد البساطي والشيخ أحمد كماخي وزكي برزنجي وأمين أنصاري والأخوان علي وعثمان حافظ، وقد وصف الشيخ إبراهيم بأنه رجل حسن الطليعة، وسيم متوسط القامة، عرف بصواب فكره وحسن ورقي جلساته العلمية وأماسيه الأدبية، وهو بطبعه هادئ قليل الاجتماع بالناس، لاسيما مع أولئك الذين ليس في مجالستهم نفع أخروي، وقد يظهر ذلك من خلال مجالسه فهو هادئ سمت قليل الكلام، وإن تكلم فبصوت خافت لا يكاد يسمع وحديث تعلوه الهيبة ويكسوه الوقار، وهو مع هدوئه ورزانته موصوف بالذكاء والفطنة المحمودة، كما عرف بالسماحة والتأدب مع الصغير والكبير، إذ لم يعرف عنه خبث أو دهاء لأغراض دنيوية، سلفي العقيدة من أول نشأته، حنفي المذهب، وقيل إنه حج (38) حجة، كما كان له رحلات إلى الشام والأناضول التركية والمغرب ونجد، وذكر عبدالله بن زاحم في حديثه عن الشيخ في كتابه «قضاة المدينةالمنورة» مثل ذلك وزاد بأنه أصدر ثمانية صكوك في المحكمة الكبرى بالمدينةالمنورة، أثناء عمله بها قبل أن يستقيل. مغادرة المدينة في أوائل العام 1334ه طلب فخري باشا محافظ المدينةالمنورة من الشيخ عبدالقادر البري، والد الشيخ إبراهيم أن يغادر المدينة هو وأسرته المكونة من ابنه الشيخ إبراهيم وزوجته وأبنائه وأحفاده والشيخ عبدالعزيز البري الذي لم يكن قد تزوج بعد، وبالفعل غادرت الأسرة كاملة المدينةالمنورة، كغيرها ممن شملهم الترحيل، وكانت الرحلة شديدة الصعوبة، فلم يعرفوا لها نهاية، واندلعت الحرب العالمية الأولى بين العامي 1914م و1918م، وأثرت في المدينةالمنورة، ومزقت شمل أهلها، وكان إبعاد أسرة الشيخ عبدالقادر البري إلى سورية أولاً، ومنها إلى الأناضول بتركيا، حيث استقروا في بلدة اسمها «الوشاق» تابعة لولاية «أزمير»، ومكثت الأسرة في تلك البلدة ما يقارب العامين، وكانت نفقتهم تعطى لهم من الدولة، في شكل أرزاق ومرتبات ضئيلة لا تكاد تقوم بالضروري من مطالب الحياة لمثل هذه الأسرة، وما ساعد الشيخ عبدالقادر وابنه الشيخ إبراهيم البري وباقي الأسرة على توفير مطالبها الضرورية، ما كان مدخراً لديهم، وبعد انتهاء الحرب في شعبان 1336ه الموافق 1918م سمحت الحكومة التركية لهؤلاء المبعدين بالعودة إلى سورية بعدما تيقنوا أن الحرب في غير صالحهم، فرحلت أسرة الشيخ البري إلى بلدة قونية، ثم بعد قضاء شهر رمضان عادوا بالقطار إلى أضنة ثم إلى حلب فدمشق، واستقر قرارهم في دمشق إلى أن عاد أهل المدينة إلى بلدتهم في العام 1337ه الموافق 1919م، حدث أثناء بقاء الأسرة في دمشق، وفي أسبوع واحد، توفي كل من الشيخ عبدالقادر البري وزوجة الشيخ عمر بن إبراهيم البري وهي بنت الشيخ صالح فضائلي وابنهما الصغير عبدالقادر. حل المشكلات وتولى الشيخ إبراهيم البري خلال حياته العملية عدة وظائف حيث عمل كرئيس لكتاب المحكمة الشرعية، وعضو مجلس التعزيزات، كما كان مفتي المذهب الحنفي، وأخيراً تولى منصب قاضي المدينة، وبعد أن ترك الشيخ إبراهيم القضاء تولى التدريس بالمسجد النبوي الشريف، كان الشيخ إبراهيم أحد الأشخاص البارزين الستة مع الشيخ عبدالجليل مدني والشيخ محمد حسن السمان والشيخ سعود دشيشة والشيخ عباس حمزة قمقمجي والشيخ إبراهيم هاشم، الذين انتدبوا من قبل الشريف قائم مقام المدينةالمنورة في ولاية الشريف حسين بن علي، في المفاوضات مع الملك عبدالعزيز، ليبعث لهم أحداً يسلمون له المدينة، فبعث إليهم محمد بن عبدالعزيز آل سعود فدخلها، وفي العهد السعودي تولى الشيخ إبراهيم - إضافة إلى كونه مفتي المذهب الحنفي وقاضي المدينة - عضوية المؤتمر الإسلامي، كما كان له دور في حل المشكلات والخلافات التي تقع بين أسر المدينة، خاصةً عندما كان في المحكمة الشرعية. قالوا عنه وكتب خير الدين الزركلي في كتابه «الأعلام» أن إبراهيم بن بري أديب له نظم في ديوان عند حفيد له بالمدينة، وأنه كان يجيد التركية وقام برحلات إلى الشام والأناضول والمغرب ونجد، وكتب تعليقاً لطيفاً على «كنز الدقائق» وهو كتاب للإمام أبي البركات حافظ الدين النسفي المتوفى العام 710ه، ويعد من أهم المتون المعتمدة في المذهب الحنفي عند المتأخرين، اعتنى به الفقهاء شرحاً وتدريساً، كما كتب «تعليقات» على شرح كتاب «المواقف»، لمؤلفه عضد الدين عبدالرحمن بن أحمد الإيجي، وأشار محمد خير رمضان يوسف عنه إلى شيء مثل ذلك في كتابه «معجم المؤلفين المعاصرين»، وذكر الشريف أنس بن يعقوب الكتبي الحسني في كتابه «أعلام من أرض النبوة» أن طلاب العلم قصدوا الشيخ إبراهيم البري من كل مكان، حتى أن المؤلف سمع من جدته أن الفتاوى كانت إذا تعسرت وعجز فيها العلماء كان أمرها يحسم بوصولها للشيخ إبراهيم البري. أسرة البري ومن خلال دورها المؤثر في المدينةالمنورة، لعبت أسرة البري العلمية في النهضة الفكرية والأدبية للمدينة المنورة دوراً مهماً خلال القرن الرابع عشر الهجري، وأعد المؤرخ علي بن موسى رسالة حملت عنوان «وصف المدينةالمنورة في سنة 1303ه - 1885م»، تناولت الأسر التي توطنت المدينةالمنورة منذ زمن بعيد، راصدة الأحداث منذ مطلع القرن الرابع عشر الهجري، وأضافت تلك الأُسر تراثاً علمياً وأدبياً مميزاً، ومن هذه الأسر أسرة البري، التي استقرت بالمدينةالمنورة في حدود سنة 900ه، أي منذ أكثر من خمس مئة وتسعة وثلاثين عاماً، وفي بيان أعده المؤرخ الشيخ جعفر فقيه (1320ه - 1411ه) بأسماء علماء المدينةالمنورة في المسجد النبوي الشريف، ومنهم من كان يقوم بالتدريس في الحرم النبوي الشريف مطلع القرن الرابع عشر الهجري - تبرز أسماء عدة لشخصيات تنتسب لأسرة البري، وهم مأمون بري، وإبراهيم بري، وعمر بري، ومن المؤرخين المحدثين يشير الأستاذ أمين مدني إلى أن الشيخ مأمون بري كان مفتي الأحناف، ويحتفظ السفير عبدالله عمر إبراهيم بري بوثيقة عثمانية تشير إلى أن مأمون هذا كان عضو مجلس المبعوثين في الحقبة العثمانية. مُفتياً للمدينة وبرزت بعد ذلك شخصية الفقيه الحنفي الأديب ومفتي المدينةالمنورة ومحدثها إبراهيم بري، وقد عين مفتياً للمدينة المنورة في زمن الدولة العثمانية، وظل - وفقاً لحديث حفيده السفير عبدالله بري - في ذلك المنصب الديني إلى التاريخ الذي انضمت فيه المدينةالمنورة للحكم السعودي سنة 1344ه، وأن أمير المدينةالمنورة آنذاك الأمير محمد بن عبدالعزيز - رحمه الله - الذي تسلم المدينةالمنورة من عبدالمجيد باشا، قائد الحامية العسكرية، ومن وكيل أمير المدينةالمنورة آنذاك الشريف أحمد بن منصور، كما أن السفير عبدالله بري حفيد الشيخ إبراهيم بري أيضاً كشف عن احتفاظه بوثيقة صورة القرار الذي نص على تثبيت جده قاضياً للمدينة المنورة. من رواد الأدب وذكر الباحث د. عبدالباسط بدر في كتابه «التاريخ الشامل للمدينة المنورة» أن أمير المدينة محمد بن عبدالعزيز والذي تعين في هذا المنصب من قبل والده الملك عبدالعزيز سنة 1344ه، قام بتثبيت قاضيها الأول إبراهيم عبدالقادر بري، ويضيف أن الشيخ إبراهيم أصدر مع علماء آخرين من المدينةالمنورة فتوى تقرر آداب الزيارة وفق منهج السنة النبوية، ويصف الباحث د. عبدالرحمن السبت شخصية الشيخ إبراهيم بري بقوله إنه العلامة الفقيه الحنفي الأديب مفتي المدينة ومحدثها، وبالإضافة إلى كونه مدرساً بالمسجد النبوي إلى أن توفي، كان يجيد اللغة التركية، ويعد أحد رواد الأدب في المدينةالمنورة، وله مساجلات شعرية، وهو أحد أعضاء «منتدى الأباريه»، وهذا المنتدى أقامه محدث المدينةالمنورة وأديبها وشاعرها عبدالجليل بن عبدالسلام برادة، وكان من رواده الشاعر إبراهيم بن حسن الأسكوبي والشيخ الشاعر محمد العمري الواسطي. ابنه عمر اقتدى ابنه المحدث والشاعر عمر بن إبراهيم بن عبدالقادر بري (1309- 1378ه) بوالده في الجمع بين العلوم الدينية والأدبية، بمختلف فنونهما، وقد عمل في المحكمة الشرعية بالمدينةالمنورة كاتب عدل، وذلك من سنة 1337ه إلى سنة 1345ه، ومن خير من ترجم له الأستاذ محمد سعيد دفتردار، الذي أشار إلى أن والدته ووالدة الشاعر عمر البري شقيقتان، وأنهما ابنتا الشيخ إبراهيم الأسكوبي، الذي يعده بعض الدارسين رائداً للشعر السياسي في الجزيرة العربية، بل اعتبر بعضهم قصيدته المشهورة في نقد سياسة الدولة العثمانية في حقبتها الأخيرة، وتوجيه النصح لحكامها، بدايةً لعصر البعث الأدبي في الحجاز، فالإبداع الشعري عند عمر بري له جذوره من جهة والده الشيخ إبراهيم بري، وكذلك من جهة والدته، شقيقة الشاعر الأسكوبي، ويشير محمد بن سعيد دفتردار أن الناحية الأدبية قد ظهرت مبكرة عند الشاعر عمر البري، في حدود سن الخامسة عشرة من عمره، واصفاً إياه بأنه لا يمل شخص من حديثه، وذلك لأنه ينتقل بك في حديثه بين رواية الشعر، وحكايات التاريخ، وعرض مسائل العلوم، كما يجول بك عصور التاريخ، والأحداث مع الملوك، ومصارع الرجال، ويعين الشيخ عمر على ما يروي ذاكرته الجيدة القوية، فهو لا ينسى ما قرأ، كما أنه ساهم في الحركة التعليمية بالمدينةالمنورة، فعمل مدرساً بما كان يسمى بالقسم العالي بمدرسة العلوم الشرعية، والتي تخرج منها عدد من الشخصيات العلمية والأدبية المعروفين، وقد أشار الشيخ زكريا بيلا إلى أنه استمع إلى درس الشيخ البري بالمسجد النبوي الشريف في شهر رمضان المبارك، مشيراً إلى أنه كان يدرس علوم الفقه والتوحيد والأدب بمدرسة دار العلوم الشرعية، ولاشك أن مثل تلك الشخصيات الكبرى التي شاركت هذا الجيل في بناء النهضة الفكرية والأدبية الحديثة، أثرت البلاد -بلادنا- بتراثها العلمي والفكري والأدبي. شح المصادر لوحظ شح المصادر التي كتبت باستفاضة عن الشيخ إبراهيم بن عبدالقادر البري، فبرغم ذكر الرجل في كتب تراجم ومعاجم وموسوعات عديدة، إلاّ أن ما ذكر عنه لا يشبع رغبة القراء في الوقوف على مسيرة الشيخ، خاصةً ممن يرغب في التوسع بمعرفة فصول حياته، وكان الشريف أنس الكتبي من أبرز من ترجم ورصد سيرة الشيخ في كتابه «أعلام من أرض النبوة»، كما رصدت سيرة الشيخ في كتاب «قضاة المدينةالمنورة» لمؤلفه عبدالله بن زاحم، وتحفة المحبين والأصحاب في معرفة ما للمدنيين من أنساب، لعبدالرحمن الأنصاري، والتاريخ الشامل للمدينة المنورة، الدكتور عبدالباسط بدر، ومع هذا فإن معظم ما كتب لم يكن ليعطي أو يغطي سيرة وحياة الشيخ في معظم أطوارها، ولذا جاءت سيرته مختصرة إلاّ ما زودتنا به المجلة العربية من سيرة مطولة عن الشيخ تحت عنوان «دور الأسر العلمية في النهضة الفكرية والأدبية للمدينة المنورة حقبة القرن الرابع عشر الهجري». وفاته توفي الشيخ إبراهيم بن عبدالقادر البري العام 1354ه، بالمدينةالمنورة، ودفن في بقيع الغرقد، بعد حياة حافلة بالعلم والعمل والقضاء والتدريس والفتوى، وقد ناهز الثالثة والسبعين من العمر رحمه الله رحمة واسعة، وقد خلف الشيخ إبراهيم ابنه الوحيد عالم المدينةالمنورة وراويتها وأديبها الشيخ عمر بن إبراهيم البري. تولى إبراهيم البري التدريس في المسجد النبوي الشريف عادت أسرة البري إلى دمشق بعد هجرتها إلى تركيا كان له دور في حل الخلافات التي تقع بين أسر المدينة «أعلام من أرض النبوة» كشف أن طلاب العلم قصدوا البري من كل مكان إعداد - منصور العساف Your browser does not support the video tag.